- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

فدائيو غزة وتنابل النراجيل

Attwi Moammar 2014معمر عطوي

في مناخات المعارك، يصبح التنظير ترفاً، وتصبح وجهة النظر مجرد تسلية لا تنفع المقاتل في ثغره الدفاعي، ولا تشفي المُصاب من جراحه، كما أنها لا ترد مشرّداً ولا مفقوداً ولا تحيي ميتاً. فمن السهل التنظير، والأسهل منه الانتقاد اللاذع والتشكيك والتخوين وطرح الأفكار العسكرية والسياسية على الطرف المعني، وكأن هذا المقاتل، الذي يواجه أعداء الدنيا اليوم من غربيين وأعراب، ليس متفرغاً إلاّ لسماع ترهات تنابل النراجيل وشطحات الباحثين عن أي شيء يملأون فيه أوقاتهم غير “التغريد” و”الفسبكة”.

إنطلاقاً من هذه الذهنية الرافضة للإساءة الى أي فدائي فلسطيني يذود في الدفاع عن قطاع غزة اليوم، يصبح الأفضل القول إن “أهل مكة أدرى بشعابها”، وإن حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” والجبهتين “الشعبية” و”الديموقراطية” لتحرير فلسطين وحركة “فتح” هم الأكثر دراية بواقع الصراع الدائر في غزة اليوم، وما يرافقه من مساع سياسية ومفاوضات متعددة الأطراف بهدف وقف اطلاق النار وتأمين المساعدات الإنسانية اللازمة.

وبحكم أن “حماس” هي الطرف المسيطر على غزة منذ العام 2005، سياسياً وعسكرياً، وأمنياً، فهي من تقود التنسيق مع باقي الفصائل والأحزاب السياسية؛ كل بحسب حجمه على الأرض وبحسب قدراته السياسية ودعمه الداخلي والخارجي. لذلك فإن القرار الرئيسي هو اليوم لأبطال الميدان يحددون كيفية إدارة المعركة من خلال غرفة عمليات مشتركة. هم من يقدّر صحة أو عدم صحة التخلص من الخونة بعد التثبت مما قام به هؤلاء من ضرر وإجرام بحق شعبهم وأرضهم. وهم الذين يوازنون بين الحرب العسكرية والطروحات السياسية.

لا أظن أن “حماس” تتصرف بفردانية في معركة تخص جميع الفصائل، لهذا كان فريق إعدام الخونة غير محدد الهوية الحزبية والفصائلية، وربما كان فريق الإعدامات مشكلاً من جميع الفصائل. وقد استند في اجراءاته الى معلومات مهمة واثباتات تدين العملاء الذين وصل عددهم الى نحو 18 عميلاً. ولا أظن ان هذا العمل قد تم بدافع الانتقام المتسرع أو ذهنية القتل لمجرد سفك الدماء. بل أظن أن عملية تصفية العملاء تأخرت، فهم دائماً سبب الاخفاقات التي قد تلحق بالمقاومة، وهم من يقف خلف اغتيال كبار القيادات وهم من يتسبب بالجرائم التي تطال الناس الأبرياء، فلا أظن أن الرحمة معهم مناسبة في ظل أزيز الرصاص والصواريخ.

المفارقة الجميلة والمريبة في آن، هي في تصريحات قادة العدو وصحفه ومحلليه وخبرائه والتي تصب جميعها في تكبير حجم “حماس” ليكون بمستوى العدو اللائق بدولة إقليمية “عظمى” مثل “إسرائيل”. هذه التحليلات وان كانت تبعث على نشوة الشعور بالنصر، والتي طالما افتقدناها في مسيرة الصراع العربي الصهيوني، الا في الحرب مع “حزب الله” في جنوب لبنان، قد تكون مقدمة لإحراق غزة وتحقيق حلم اسحق رابين بمحوها عن الخريطة.

في أي حال، فدائيو غزة أعادوا للأمة بعض بريقها، في ظل كل هذا الظلام المسيطر، وهم أدرى بشعاب القطاع والسياسات التي ستنال من فلسطين وأهلها، ليتهم يستفيدون من هذه المعركة لتحسين شروط الحرب المقبلة، على الأقل ببناء ملاجيء بموازاة بناء الأنفاق العسكرية. لكن رغم كل شيء على تنابل النراجيل أن يبقوا مستغرقين في موضوعاتهم السخيفة، لأن من يحمل دمه على كفه اليوم لا يحتاج الى تنظيراتهم.