- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

غزة تنتصر بأبناء فلسطين.. فقط

Attwi Moammar 2014معمر عطوي

لم تكن حرب غزة الأخيرة سوى معركة من معارك على طريق الصراع العربي الإسرائيلي، ليست الأولى بما أتى قبلها من معارك واعتداءات صهيونية على الفلسطينيين، ولن تكون الأخيرة طالما أن نحو 85 في المئة من أرض فلسطين التاريخية، لا تزال تحت الاحتلال.

معركة غزة الأخيرة كانت استثنائية بامتياز، إذ أنها جاءت في أسوأ الأوقات التي تخيم على العرب، في ظل وصول المواجهة بين الشعوب والأنظمة إلى المرحلة الأشد فوضوية وسودواية مع مصادرة تنظيمات اسلامية متطرفة لثورات الشعوب، وتحويل مسار السعي لدمقرطة البلدان العربية الى مسار آخر يهدف الى “أسلمتها” وفق أبشع وأسوأ تفسيرات النصوص الدينية.

لذلك كان سند غزة وظهرها في هذه المعركة، شعوب فلسطين العام 48 والضفة الغربية بالدرجة الأولى، وشعوب غربية هالها ما حدث من مجازر كان أكثر ضحاياها من الأطفال، فتظاهرت وقاطعت منتجات الكيان الغاصب ودعت حكوماتها الى إعادة النظر في عملية دعم وتدليل هذه الكيان الذي لا يستمر الا بمزيد من الإجرام و”دماء لفطير صهيون”.

فقد أهل غزة في هذه المعركة الحد الأدنى من الدعم والتظاهرات المؤيدة للمقاومة والشاجبة للعدوان، حيث باتت مصر- السيسي تعامل القطاع كامتداد لعدوها الأول “جماعة الإخوان المسلمين”. والسعودية الناقمة على “الإخوان” كانت في صف الداعمين للحرب على القطاع بذريعة القضاء على “فصيل إخواني” يحكم غزة. كذلك فعلت الإمارات التي توهج “ذكائها” بتحويل طاقم طبي مفترض ان يساعد جرحى العدوان، الى مجموعة جواسيس تدل طائرات العدو على أهدافها من مواقع وقيادات المقاومة والمرافق الحيوية. أما سوريا “وحزب الله” اللبناني فمنشغلان بمقاتلة تنظيمات بعضها معارض للنظام بهدف التغيير نحو الديموقراطية، وجلها من الجماعات التي ترسم صورة الشرق الأوسط الجديد وفق رؤية عالمية لا يعلم الا الله من هو مخططها ولا من يحركها، والراسخون في العلم ينتظرون دورهم في الذبح.

في أي حال، يكون الحديث عن انتصار غزة في هذه المعركة، من منطلق صمودها وسط الليل العربي الرديء، ووسط هذا الصمت المخيم من المحيط الى الخليج، فيما صواريخ “القسام” و”الناصر” و”زلزال”، والكثير من منجزات المقاومة الفلسطينية المحلية، تدك حصون العدو على مدى 55 يوماً من دون انقطاع.

إذن كان بطلا حرب غزة هذه المرة فقط اثنان لا ثالث لهما، صمود أهل غزة بصواريخها وسلاحها المصنوع محلياً ووحدة فصائلها الفدائية من اليمين الى اليسار الى الاسلاميين وانفاقها الذكية، كذلك بتحركات الشعوب الغربية التي ضغطت بشدة على هذا الكيان.

وكانت النتيجة، تعطيل الحياة في معظم مدن ومناطق فلسطين المحتلة اراضيها في العام 1948، واثبات فشل نظام “القبة الحديدية” في ردع الصواريخ، وتفريغ العديد من المستوطنات في غلاف غزة من مسافة نحو 7 كيلومترات الى 40 كيلومتراً، وهجرة العديد من الاسرائيليين بشكل نهائي من “أرض الميعاد”. والحصيلة مقتل 72 جندياً إسرائيلياً، العدوحسب اعتراف العدو الكاذب عادة، وإصابة المئات لا يزال منهم العشرات حتى الآن في مستشفيات الكيان.

ولعل من الإنجازات الأخرى التي حققتها المقاومة في غزة، هي أنها شلّت مطارات الكيان الغاصب وزرعت الرعب في مستوطنيه، وأفشلت الموسم السياحي وكبدت الخزينة الصهيونية خسائر طائلة في حركة الاقتصاد اليومي وفي الدفاع والتسلح. وأكدت المقاومة الفلسطينية أنها قادرة أن تفعل بهذا العدو “الاسطوري” كما فعل هو بشعبنا. مع أنها كانت في الوقت نفسه حريصة على عدم وقوع “مدنيين” فلم يُحك الا عن مقتل طفل اسرائيلي واحد بينما وصل عدد شهداء الأطفال الفلسطينيين الى المئات.

ومن محاسن هذه المعركة والتي تؤشر الى أن قضية فلسطين لم تمت في قلوب أبنائها، هو تحركات أهالي الضفة والقدس المحتلة ومناطق محتلة منذ العام 48 في مسيرات واعتصامات وتظاهرات ومواجهات بالحجارة والسكاكين وعمليات عسكرية، ما جعل المقاومة في غزة تشعر أنها ليست وحدها وأن حيفا كانت من اليوم الأول هدف صواريخها حتى آخر لحظة قبل الهدنة بما يدل على أن تحرير فلسطين التاريخية كان واقعاً لو أن عدد هذه الصواريخ نفسه سقط من لبنان وسوريا والأردن ومصر. وما اتفاق الهدنة الا صورة عن هذا الانتصار، والذي ناضلت المقاومة الفلسطينية في القاهرة نضال أبطالها في غزة حتى يخرج بهذه الصورة. بهذا المعنى نفهم انتصار غزة على أعتى جيوش المنطقة.