- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

مذهبة الجريمة

Attwi Moammar 2014معمر عطوي
غريب أمر اللبنانيين، خصوصاً في هذه الأيام، كيف يتفننون في تحويل الجرائم الجنائية إلى حالة طواريء تؤسس لحرب مذهبية تكاد تشعل الأخضر واليابس. فلولا عدم وجود حاجة دولية ملحة الآن لهذه الفتنة، وتدخل بعض العقلاء، على ندرتهم، لنزع فتائل التفجير بين وقت وآخر، لكان لبنان اليوم شبيهاً ببورما أو يوغسلافيا اوائل التسعينات من القرن الماضي.

مشكلة بين تجار مخدرات في البقاع، كادت خلال ساعات قليلة،  أن تحوّل هذا البلد الصغير إلى كتلة نار كبيرة ملتهبة بالحقد الطائفي والكراهية المذهبية. بل الى بركة دماء مجبولة بتخلف هذا الشعب الذي سرعان ما يعود الى جذوره المذهبية الضيقة البشعة القذرة، بدلاً من أن يكون وسيط خير لسحب صاعق التفجير.

ربما كانت عملية خطف بهدف الحصول على فدية، أو هي تصفية حسابات بين منظمات خارجة على القانون تتحول الى معركة مصيرية لدى هذه الطائفة أو تلك ويتم استخدام الجريمة في سياق آخر، فتصبح “حرباً مقدسة” بين علي ومعاوية أو بين الحسين ويزيد أو بين المسلمين والمشركين. بلمح البصر ينتشر السلاح، تقفل الطرقات، تدب الفوضى وتسيطر حالة الخوف والذعر على الأطفال الذين ما عادوا يسمعون سوى بحروب الآلهة والأنبياء، حروب الصحابة وأهل البيت الذين ما كانوا في التاريخ سوى متعاونين ومتحابين فيما بينهم. وتبدأ رسائل الهواتف وتعليقات صفحات التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية بنسج خيوط الكراهية وبث الحقد بين الناس وتسعير الغضب في داخل كل شخص لينفر الدم من عروق غضبه فيستعد الى معركة مع شخص آخر ليس سوى شبيه له في الفقر والبؤس والحرمان والتخلف.

كأن هذا البلد الذي شهد ويلات الحروب لم يتعظ أبناؤه من ماضيهم القذر، بل هم حقاً يعيدون التجربة بنشوة النصر “المقدس”. يخطفون باسم “المقدس”، ويقتلون ويذبحون باسم “المقدس”، ويحشون رؤوس أبنائهم بواقعة الحسين على أنها كانت بين أهل عرسال وبين أهل اللبوة. وفي الطرف الآخر يعيدون أمجاد حرب القادسية ويتصور هذا الطرف انه يمثل الاسلام والعروبة ضد الفرس والصفويين.

غريب هذا الشعب اللبناني الذي يسارع في اختراع “المعجزات” على صعد التجارة والسياحة والدعارة والمخدرات، كيف هو بارع أيضاً في جعل حروب الآخرين “حرباً مقدسة” بين قرية وقرية وبين عائلة وعائلة من العائلات اللبنانية “العريقة”.

بالفعل هو شعب خلّاق كما في مهنة “القوادة” كذلك في مهنة صب الزيت على النار وتحويل كل مجرم الى حالة مذهبية تزر وزر غيرها رغماً عن آيات القرآن وكل الأحاديث التي تشدد على عدم صحة الثأر من غير من لا يتحمل مسؤولية الجرم. فيسارع هذا الطرف لإظهار طائفة بكاملها وتعاليمها ونصوصها وعقيدتها على انها تمثل الشر. فتتم شيطنتها وفق صورة نمطية بشعة. والطرف الآخر يقوم ايضاً مع هذه الطائفة بنفس العملية. وهكذا يكون كل طرف يحفر لأخيه حفرة ليقع فيها هو نفسه ويصبح الجميع في حفر الحقد الذي لا يشابه عمل العقل ولو بقيد أنملة. فأمام الحقد لا تتحرك سوى الغرائز ويحضر التاريخ بأسوأ فصوله. ذلك هو التاريخ الذي يتحكم بحاضرنا بدلاً من آفاق المستقبل، فتحملوا أيها اللبنانيون عواقب تخلفكم وحقدكم الأعمى.