- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

لبنان .. دولة بالحد الأدنى

Najat2014نجاة شرف الدين

يعيش اللبنانيون هذه الأيام هواجس عديدة ممتدة من الأمن الى السياسة،  مرورا بالإقتصاد والوضع الغذائي إضافة الى الأوضاع الإجتماعية الحياتية الناجمة عن تداعيات عمليات النزوح المستمرة للسوريين الى لبنان . هذه الهواجس جعلت الكثيرين ، ونظرًا لما يعيشه المحيط في سوريا والعراق ، يرضون بالحد الأدنى للأشياء ، على قاعدة أنه مهما حصل فإننا لا نزال أفضل من غيرنا ، ما يعني المعارك الدائرة في سوريا والعراق .
الهاجس الأمني والذي يتركز اليوم في عرسال ، بعد الأحداث الأخيرة وخطف داعش وجبهة النصرة لعناصر الجيش اللبناني والقوى الأمنية وإعدام ثلاثة منهم حتى  الآن  ، وردود الفعل التي حصلت من عمليات خطف في المنطقة والتهديدات والتوترات في منطقة البقاع والتي تنذر بفتنة سنية شيعية ، والتي ترافقت مع  إنتظار نتائج المفاوضات غير المباشرة مع الخاطفين عبر الوسيط القطري ، والإستعدادات  للجيش اللبناني الذي يشتبك يوميا مع المسلحين في الجرود العرسالية ودعوة رئيس الحكومة تمام سلام الى المواجهة ، كل ذلك يجري ويحذر المسؤولون من إمتداده الى أكثر من منطقة في الشمال أو غيرها نتيجة الحرب السورية ، إلا أن اللبنانيين يعتبرون أن الحفاظ على الأمن بحده الأدنى وإحتواءه كي لا يتمدد نتيجة القرار الدولي بعدم الإنفجار ، يشكل حماية للبنان في هذه المرحلة .
سياسيا ، وبعد تعثر إنتخاب رئيس للجمهورية لأكثر من أربعة أشهر ، وهي معرضة للإطالة مجددا نتيجة عدم التفاهم الإقليمي بين السعودية وإيران ، وبعد تعثر التشريع في المجلس النيابي نتيجة الخلاف على تحديد ” الضروري ” في حده الأدنى للتشريع وتسهيل أمور الناس وعلى رأسهم سلسلة الرتب والرواتب ، وبعد تعثر وضع قانون إنتخابي جديد خلال الولاية الممددة الأولى للمجلس النيابي ، وبدأ التحضيرات للتمديد الثاني ، بسبب إستحالة إجراء الإنتخابات في هذه الظروف الأمنية والسياسية ، فيبدو أن مؤسسات الدولة المهترئة أصلا ، ستبقى تعمل في الحد الأدنى وهو التمديد لنفسها وللفساد القائم على مختلف المستويات  .
حكوميا ، الحكومة التي من المفترض أنها جامعة وتتمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية نتيجة صعوبة الإنتخاب ، تحاول العمل بالحد الأدنى من التوافق على مشاريع ” الضرورة ” منها الأمني وبعض السياسي ، وهي فشلت بتأمين الحد الأدنى من التوافق الإجتماعي الإقتصادي في ملفات حياتية  وعلى رأسها مؤسسة الكهرباء التي كلفت الدولة ثلاثين مليار دولار خلال الأعوام الأربع والعشرين الماضية من دون الحد الأدنى من التغذية ومن الحلول المجدية لهذا الإنفاق الهائل ، وأضيف إليها مشكلة إنقطاع المياه وتلوثها ولجوء المواطنين الى شراء المياه ، وتراجع الخدمة في الهاتف الخلوي بسبب عدم إنجاز تحديث للشبكات وزيادة الضغط عليها . وفشلت هذه الحكومة وهي المؤسسة الوحيدة العاملة حاليا ، بغياب المجلس النيابي ورئاسة الجمهورية ، بتأمين الحد الأدنى من الحماية للمواطن اللبناني في الأمن والإقتصاد .
صحيح أن هناك حاجة دولية وإقليمية لبقاء الحد الأدنى من الإستقرار في لبنان بسبب إشتعال المناطق الأخرى المحيطة ، وصحيح أن الأطراف السياسية اللبنانية لا تزال تُمارس سياسة حافة الهاوية ، إلا أن  الصحيح أيضا أن الخوف يبقى من لحظة إزاحة المظلة الدولية ولو بالحد الأدنى، ليسقط لبنان في الهاوية ولن تنفع عندها أن يكون دولة،  ولو بالحد الأدنى ..