لا يمكن تصديق أن ما يجري من تطورات متسارعة في العالم اليوم هو مجرد نتيجة لتناحر السياسات الدولية وتضارب مصالحها. بل لا بد من الإقرار بأن وراء هذا التشظي الإجرامي الغريب العجيب وتفشي اللاخلاقية بهذا الشكل السافر في السياسة والمجتمعات، قضاءٌ وقدرٌ يتجاوز قدرات الدول وأجهزة استخباراتها وجيوشها، ليؤكد نظرية المؤامرة التي يتباهى “العقلانيون” و”الموضوعيون” بأنهم لا يؤمنون بها، بينما يتحدث عنها مريدو المعسكرات المتنافسة والمتصارعة بكل ثقة في إطار اتهام الخصم بالتخطيط للانقضاض على الذات، وفي إطار تحويل الذات الى ضحية “طهرانية” لا ناقة لها ولا جمل بكل عمل إجرامي أو عدواني الا من قبيل “الدفاع عن النفس”.
نعم المؤامرة موجودة، والمخططات التي تسعى لإضعاف العديد من مراكز القوة تمهيداً للسيطرة على مصادر الثروة؛ من معادن ثمينة ومواد طاقة وخيرات، هي مخططات حقيقية لكن الفرق بين من يحذّر منها من منطلق آيديولوجي وبين من يتناولها في سياق معرفي، كالفرق بين الثرى والثريا.
نعم، هناك مؤامرات وليست مؤامرة واحدة، وهناك عناصر عديدة لهذه المؤامرات منها من يخطط ومنها من ينفذ ومنها من يؤمّن الدعم اللوجيستي ومنها من يضمن استمرارية عملها. عناصر مختلطة لا يمكن وصفها بتاتاً بأنها تهدد فئة معينة من البشر أو قومية معينة الا في حدود اقتضاء مصلحتها. فلا الضحية هي من مذهب معين ولا من قوم محدد، بل الضحية هي التي يمكن أن يخدم ظلمها والعدوان عليها مشروعهم في السيطرة وبسط النفوذ. لذلك أسياد هذه المؤامرات هم خليط اثني وديني وعرقي يجمعهم محفل سري واحد مليء بالرموز والطقوس التي توحي لأعضائه بأنهم يقومون برسالة مقدسة سامية في خدمة الإنسانية. وهم في الواقع يستخدمون هذه التهويمات لإضفاء بعد روحي وميتافيزيقي لأعمالهم، فيربطون بين السيطرة على مراكز القرار في العالم وبين بناء هيكل سليمان في القدس المحتلة. لكنهم في الواقع هم مجرد أناس عقلانيون وعلميون وفيزيقيون يوظفون الميتافيزيقا من أجل تفعيل قواهم وضمان إقناع أتباع الأديان بأنهم يسعون الى ديانة عالمية واحدة تقوم على عمل الخير وتعزيز روح التعاون بين البشر.
هؤلاء هم “حراس الهيكل” أو “البناؤون الأحرار” الذين يتلاعبون بقيادات العالم من كافة المعسكرات المتنافسة لتلتقي جميعها على خدمتهم وتحقيق مآربهم، إن كان بصورة مباشرة وعن قناعة وتنفيذ مباشر لقرارات المحفل أو من خلال الغباء الذي يجعل المرء يقع في شباك الصياد فتحقق الفريسة كل ما يسعى اليه الصياد وهي تظن أنها تقوم بعمل وطني أو قومي أو واجب ديني مقدس. لذلك يصبح موضوع ارتباط الماسونية بدعم وتأمين الكيان اليهودي في المنطقة تفصيل لا أهمية رئيسية له في سياق لعبة الأمم. هذه الفرائس التي تتقاتل اليوم في العديد من بقع التوتر في العالم تخوض حرب “حراس الهيكل” بالوكالة، بعدما عجزت الولايات المتحدة عن تنفيذ خطط “الأساتذة الكبار”. لذلك كل هذا التشظي والفوضى والحروب المذهبية والطائفية والعرقية الطاحنة تجلت بأبشع صورها حين عاد “حراس الهيكل” واستلموا دفة السفينة في سياق مواصلتهم رحلة البحث عن الذهب الأصفر والأسود وغيرها من ثروات ومصادر طاقة من جهة، وفي سياق تنمية مبيعات ما تبقى في مخازن مصانعهم من أسلحة لتعزيز لعبة القتل بين البشر. ومن لم يمت بالسيف مات بغيره من مخدرات وجراثيم وفيروسات تنتجها مختبراتهم وتنشرها في سياق تحويل الفقراء من البشر الى فئران تجارب أو الى ضحايا بغية تحقيق نظرية مالتوس الاقتصادية حول إعادة التوازن بين الثروات وعدد البشر. “البناؤون” يسعون بلا شك إلى بناء الهيكل لكن ضحاياهم الأغبياء هدموا الهيكل على رؤوسهم ورؤوس غيرهم من فقراء وهم يصدحون بأغاني النصر.