- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

مفهوم الدولة بين «داعش» و«النصرة»

Bassam 2013نقطة على السطر

بسّام الطيارة

جماعة “أنصار بيت المقدس” في مصر تبايع مدعي “الخلافة” أبو بكر البغدادي. قبل أسابيع كان دور جماعات أخرى في بلدان أخرى. ما يحصل مع «داعش» مغاير جداً لما حصل في السابق مع «القاعدة». الفوارق بين المنظمتين متعددة وإن كان الأصل واحداً. إلا أن منطلق الحركتين مختلف ويفسر تهافت المبايعات بالشكل الذي نعرفه اليوم.

القاعدة لم تتبنى البتة مبدأ بناء «دولة» وكانت كافة المنظمات التي بايعتها تُبقي على تسمياتها «الإقليمية» وعلى أهدافها المحصورة في المناطق التي انبثقت عنها. لم تكن علاقتها بالقاعدة سوى علاقة مبنية على مبدأ «محاربة الغرب» وبشكل خاص أميركا والدول الكبرى، وهو ما أبقى هذه المنظمات ضمن إطار الحركات الإرهابية المناوئة للأنظمة والنظم الدولية… وحتى اليوم ما زالت جبهة «النصرة» على هذا المنوال.

بالمقابل فإن تنظيم «داعش» المنشق عن «النصرة» وضع نفسه منذ بداية حراكه تحت عنوان «دولة» (دولة الإسلام في العراق والشام) قبل أن يذهب أبعد من ذلك باستلاب مفهوم الخلافة الذي يولد نوستالجيا لدى العديد من التيارات الإسلامية وأبعد من ذلك لدى العديد من المسلمين، والذي تجسد بإعلان «الدولة الإسلامية». وبالتالي يمكن اعتبار حراك داعش بأنه «انقلابي ثوري» بالمفهوم الكلاسيكي للتعبير. هو حراك ليس فقط ضد الأنظمة ولكنه حراك يرمي إلى «إعادة بناء دولة على أسس جديدة-قديمة» بالنسبة للأسس القائمة حالياً: ومن هنا مفهوم ثوروية الحراك.

رغم أن العنف والإرهاب هما من لوازم حراك وأفعال القاعدة والدولة الإسلامية إلا أن هذه الأخيرة ذهبت أبعد بكثير من تنظيم القاعدة الذي كان يركز علي «إيلام الغرب» بينما يبدو حراك «الدولة الإسلامية» العنيف والإرهابي موجهاً بشكل خاص نحو «الداخل الإسلامي» وكأنه يسعى أولاً وأخيراً إلى «تظيبيط البيت الداخلي» لإثبات قواعد دولة من دون أي معارضة في داخلها ، دولة مبنية على «شوفينية إسلامية سلفية» تلاقي بعض الصدى الإيجابي لدى «العديد من المسلمين» وإن كانت تهز الأسس الوطنية في كافة البلدان العربية والإسلامية. ومن هنا يمكن قراءة ما حصل للمواطنين الإيزيديين ووالكلدانيين في العراق والعلويين في سوريا وما يمكن أن يصيب الأقليات الدينية أو المذهبية في البلدان التي يمكن أن تضع «داعش» يدها عليها. هو مفهوم  بناء دولة بعد «تطهير مذهبي سلفي»: هذا هو مفهوم الثورة الكاملة الذي حمله تنظيم «داعش»لبناء دولة «إستئصالية»، وهو ما غاب عن طروحات «القاعدة».

يبدو أن الدول العربية كافة وبما فيها  الدول التي دعمت الحركات السلفية في السابق ومولتها وسلحتها، بدأت تدرك ثورية طروحات العفريت الذي ربته في القمقم والذي أخرجته الحرب الأهلية السورية التي حلت محل الثورة ليعث إرهاباً وخراباً وقتلاً وتدميراً.

بالمقابل إن بناء أو ولادة دولة جديدة ضمن حدود جديدة تكسر اتفاق سايكس بيكو وهو ما يحصل حالياً  ليس بالأمر الذي يقلق الدول الكبرى! و(على سبيل المثال) فإن فرنسا لديها «لازمة ديبلوماسية» تستعمها عندما تحصل انقلابات في دول العالم ، وهي «إن فرنسا تعترف بالدول وليس بالأنظمة». تصدر مثل هذه التصريحات أيضاً من بريطانيا العظمى وهي دول ورثت من تاريخها الاستعماري عادة التأقلم مع التغيرات خصوصاً عندما تتآتى وتواكب مع مصالحها الاستارتيجية. أما أميركا فحدث ولا حرج بالتغيرات التي يمكن أن تقبلها لتغيرات الحدود الموروثة من حقبة الحرب العالمية الثانية ومن فترة إنهاء الاستعمار أكان ذلك في أفريقيا (أريتريا وجنوب السودان والصحراء الغربية) أم في أوروبا ( انهيار الاتحاد السوفياتي) وفي آسيا (التيمور الشرقية) أو حتى في أوقيانوسيا.

مصالح تلك الدول تختلف كثيراً عن مصالح الشعوب التي تعيش أو في طريقها للعيش تحت نظام داعشي.

ولكن هل يعي من يدعم ويبايع الدولة الإسلامية الأبعاد التي يمكن أن يقوده إليها نظام داعشي؟ لا نتحدث عن التظيمات التي تبايع «الدولة الإسلامية» لأهداف ضيقة وللاصطفاف في ركاب حركة سياسية عامة. نتحدث عن الذين يحملون في مكنونات صدورهم نوعاً من الترحيب بالموجة الداعشية. هل يدرك هؤلاء نمط الحياة الذي ينتظرهم عندما يحل النظام الداعشي محل الأنظمة الحالية التي رإن كانت بالية وفاسدة تحمل هامشاً من الحرية التي فرضتها نظم الحياة الحديثة؟

جدير بّولاء أن يستعملوا شبكة أنترنيت (بسرعة قبل أن تقطعها الدولة الإسلامية)  للقراءة ما حدث في كامبوديا في ظل حكم «بول بوت» الدموي الاستئصالي.