- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

بالسيف جئناكم

Attwi Moammar 2014معمر عطوي

يتذرع “الداعشيون” بأن ما دفعهم الى “الانتفاضة” على الوضع القائم، هو الظلم الذي لحق بطائفة من المسلمين، لافتين النظر، على سبيل المثال لا الحصر، الى ما جرى في العراق بعد غزوها من الأميركيين وتحويلها الى جمهورية تقوم على تقاسم طائفي للحصص والمناصب، كانت فيه الغلبة لعملاء أميركا من تيارات سياسية متعددها غالبيتها محسوبة على طائفة إسلامية أخرى.

وهم في الوقت الذي يصرون فيه على أن إقامة دولتهم “الإسلامية” وإعلان الخلافة هما تكليف شرعي يُحاسبون عليه يوم القيامة اذا لم يقوموا به، يؤكدون أن السبب الأول لممارساتهم الدموية هو ظلم الأنظمة العربية ومن خلفها دول الغرب، التي غطت فساد واستبداد هذه الأنظمة على مدى أجيال، طمعاً في استمرار نفوذها وضمان مصالحها ومصالح ربيبتها الغاصبة في فلسطين المحتلة “اسرائيل”.

طبعاً، لم يكن الإسلام السياسي في الوطن العربي يوماً يعيش في راحة سياسية وأمنية، مثله مثل أي تيار سياسي معارض للسلطة السائدة، إن كان تياراً قومياً أو يسارياً أو ليبرالياً أو غيره. لكن، على ما يبدو، أن ردة الفعل “المزعومة” على هذا المناخ الاستبدادي السائد بين السلطة في العالم العربي والحراكات الحزبية والشعبية، لم تكن قابلة للاستيعاب في درجة عنفها ودمويتها. إذ أن ردة فعل كهذه لم تكن في حسبان حتى بعض الحركات الاسلامية نفسها، بفعل ضخامة التمويل وكثرة المتطوعين وسرعة السيطرة والتحكم، إضافة الى “حسن” التدبير والادارة على المستوى التنظيمي في البلدان التي أصبحت في كنف “الدولة الإسلامية”.

وبغض النظر عن مشروعية ممارسات تنظيم “داعش” الارهابي، لجهة تطابقها مع آيات قرآنية وأحاديث نبوية وروايات من الأثر، إلاّ ان ما يقوم به قادة هذا التنظيم وعناصره، يبين حجم التوظيف الاستخباراتي لهذه الطاقات في سبيل تقديم صورة ليست فقط سيئة، عن الإسلام، وانما تقديم صورة تنسف هذا الدين من أساسه وتصادر ما فيه من أخلاقيات وسلوكيات استيعابية للآخر، لمصلحة التدمير الكامل لعناصر هذا الدين الأصولية والبشرية ومكوناته الطبيعية والثروات التي تعود لعشيرته، عبر تعميق حجم الكراهية بين أبنائه حتى داخل المذهب الواحد.

فتحت شعار “جئناكم بالذبح” ينسف هؤلاء المتخلفون المجرمون اهم قيمة من قيم الاسلام “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” (النحل 125).

لعلها ذهنية ردة الفعل هذه، هي نفسها التي جعلت اليهود ينتقمون من الأوروبيين في فلسطين فيفتدون الشعوب البيضاء بالشعوب العربية. لكن هذه المرة أصبح العنصر الأبيض هو المنتقم من سياسات الشركات المتحكمة في مستقبل بلدانه المتحضّرة. الشعب الأبيض الذي يترك كل ما في بلاده من رفاهية وتسهيلات حياتية ومعيشية، ومن تقدم صناعي وتكنولوجي وتعليم وتربية ونمو، ليأتي إلينا بالسيف، مفتدياً بني جلدته بنا، حتى ولو قتل عشرات من الصحافيين والسياح الأجانب. وبالتالي تكون شعوبنا قد قُتلت مرتين بداعي ردة الفعل والانتقام. المرة الأولى على ايدي الصهاينة والأخرى على أيدي صهاينة الإسلام.

فهذا الانسان الغربي الذي سأم روتين الحياة الصناعية في “القارة العجوز” او ما وراء المحيطات، أصبح يبحث عن مكان ينفّس فيه احتقانه ونزواته الإجرامية، فوجد نفسه في كنف اسلام “داعش” وخلافته، يقتل سكان البلاد الأصليين من مسلمين وغير مسلمين بدم بارد، وهو يرفع المصحف على الرماح كما فعل اصحاب معاوية في معركة صفين.

هؤلاء “الدواعش” هم خوارج هذا العصر، حيث يقوم الزاعمون بـ”الثورة” على الظلم بممارسة ظلم أفظع وأشرس وأكثر دموية وحقداً وكراهية. ظلم يدمّر كل ما بقي من قيم الدين الحنيف: التسامح والمحبة والكلمة السواء والعفو عند المقدرة واكرام الضيف وحسن الجوار ورد الإساءة بإحسان. إنه ظلم لا يبرر في أي حال أي “ثورة” او “انتفاضة” على نظام استبدادي أو استعمار جشع.