نقطة على السطر
بسّام الطيارة
إلى الذين استهزأوا من «تضامن» عرب ومسلمين فرنسا مع …فرنسا في مسألة الهجوم الإرهابي على صحيفة «شارلي إيبدو» أقول لهم أنهم خارج التاريخ.
إلى من اعتبر أن هذا التضامن هو «تضامن الأبله» أقول له أنت خارج التاريخ وأنت من الخامة التي يستطيع أن يتلاعب بها وعليها الإرهابيون.
إلى كل من وجد ولو ذرة واحدة من «الأسباب المخففة» في عودة إلى ما نشرته الصحيفة الساخرة وكتب متلاعباً على الكلام. أقول له أنت تقطع الغصن الذي يسمح لك بالكتابة اليوم بانتظار… وصول الإرهابيين ليقطعوا قلمك.
إلى كل من رأي أن السياسة الخارجية الفرنسية «استجلبت» ضربات الإرهابيين إلى أراضيها، أسألهم ما هي «السياسات الخارجية» التي استجلبت الإرهاب الأعمى في الدول العربية؟ وأقول لهم إنكم من الذين «ينظرون ولا يبصرون»، وأنتم تعيشون في أوهام أتصور لكم أن الإرهاب يغير سياسات الدول.
المواقف الاعتذارية ليست لفرنسا (حتى وإن هي لم تتعرض لعدوان خارجي كما كتب بعضهم) ولكنها مواقف واعية لما يشكله من خطر غياب هذه «النوافذ» في عوالم الغرب. هذه النوافذ التي رغم سخريتها ما فتئت تقف إلى جانب حقوق الشعوب. صحيح هي انتقدت التشدد الديني ومنه انطلقت نحو التنديد بالإرهاب العنفي ولكنها أيضاً نددت بالإرهاب الفكري، انتقدت الاستعمار الجديد ونظم الاستهلاك المقيتة، انتقدت كتم الحريات والديكتاتوريات، وقبل الربيع العربي بسنين كانت تندد (وما زالت) بتواطؤ الحكام الغربيين مع الديكتاتوريين العرب الذي هو أصل مصائب العرب.
إلى حضرات الكتاب الذين استهزأوا بالتضامن مع «شارلي إيبدو» تعالوا نتحدث بين بعضنا البعض أي كـ«عرب»: قضيتنا الأولى هي فلسطين نحن متفقين أو هكذا أظن، وقضية فسطين هي أولاً وأخيراً قضية «حرية». هل تعرفون أن «شارلي إيبدو» والصحف الساخرة المماثلة (هذه الصحف التي لا تربح أموالاً وهي خاسرة دائماً) هي المدافع الأول عن قضية فلسطين وقضايا الشعوب العربية (وليس الدول العربية). هذه الصحف سخرت من حكام الغرب ونددت بسياستهم بشكل أكثر فعالية من كتابات الصحف العربية التي لا تصل إلى آذان الغرب.
يا أيها الكتاب أنتم تكتبون في صحف تدافعون عن فلسطين وقضايا الشعوب… ولكن من يقرأكم؟ الجواب «شعوبكم». وهل شعوبكم بحاجة لإعلامها بمآسي فلسطين؟ هل تصل كتاباتكم إلى الفضاء الغربي؟ «الجواب «لا». ما تكتبه صحف ساخرة مثل شارلي إيبدو عن فلسطين وعدالة القضية الفلسطينية (وإن كتبت بأسلوب ساخر) هو الذي يصل إلى الفضاء الغربي.
من هنا علينا التضان والدفاع عن صحف مثل هذه الصحف تحمل لواء قضايانا المهمة إلى الرأي العام الغربي. نعم نتضامن مع فرنسا ليس لنبرهن على أننا «لسنا من المسلمين السيئين» كما كتب بعضهم، ولكن لأننا نعرف قيمة فسحة الحرية لمثل هذه الصحافة في فرنسا والعالم الغربي للدفع بقضايا الشعوب العربية المحقة نحو الضوء… طالما أن صحافتنا متقوقعة على قراءها تمدهم بما هم يملكون… وتجهد لتقنعهم فيما هم مقتنعون.