- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

فرنسا: تقصير الأجهزة الأمنية

باريس – بسّام الطيارة (خاص)
والآن بعد أن تم تحرير الرهائن ولكن … بعد مقتل أربعة رهائن، وبعد أن تم قتل الإرهابيين الثلاثة. مسيرة الوحدة الوطنية ستنطلق اليوم الأحد وسياشرك فيها مليون فرنسي وعشرات من زعماء العالم. ولكن غدا ستبدأ الأسئلة التي لا بد من طرحها، وأبرزها … لماذا قصرت الأحهزة الأمنية؟
فيما كان الاهتمام مركزاً على الجهاديين الذين توجهوا إلى سوريا والخوف نابع من عودتهم، تبين أن الخطر يأتي من «جهاديين قدماء». هل أعمت متابعة جهاديي داعش والبغدادي الأجهزة الأمنية فأهملوا متابعة جهاديي العراق والزرقاوي وجهاديي العوالقي في اليمن؟ هل عملية مهدي نموش الإرهابية في بروكسل جعلت التركيز محصوراً بالجهاديين العئدين من سوريا؟
أنظار الأجهزة الأمنية الفرنسية كانت مجذوبة للحراك بين سوريا وأوروبا عبر الحدود التركية. وزير الداخلية برنار كازانوف توجه إلى تركيا للتسيق مع السلطات التركية في محاولة للحد من تدفق الجهاديين الذاهبين والعائدين إلى أرض الجهاد. وفي هذه الأثناء كانت خلية «الدائرة الـ١٩» (وتسمى أيضاً دائرة «بوت شومون») تعمل وتنظم نفسها منذ عام ٢٠٠٩ لتفجر عملياتها الأخيرة، دون أن يمنعها ذلك من بناء شبكة علاقات مع «جهاديي الحرب في سوريا».
مسيرة الأخوين كواشي أفضل برهان على «عمى الأجهزة الأمنية» ذك أن سعيد كواشي زار اليمن في العام ٢٠٠٩ أي قبل انطلاق الثورة السورية. وفي صنعاء درس الشريعة في جامعة الإمام، كما يقال إنه التقى أنور العولقي في عام ٢٠١١.
ومن المعروف أن العولقي الأميركي من أصول يمنية كان يسعى لـ«ضربة كبرى في الغرب» ووضع خططاً لذلك قبل أن يقتل بواسطة طائرة من دون طيار أميركية في في أيلول عام ٢٠١١ أي بعد ٤ أشهر على لقاء سعيد كواشي. أي أن كواشي التقى وتدرب وعاشر أوساط على صلة وعلاقة  بالمجموعة التي نفذت هجمات نيويورك في أيلول عام ٢٠٠١.
دفعت زيارة كواشي لليمن السلطات الأمنية الفرنسية لوضع «متابعة وثيقة» له ولـ… حميدي كوليبالي (الإرهابي الثالث). هذه المتابعة لم تذهب سدى، فقد كشفت للشرطة أنهما كانا يحضران عملية لتهريب المسؤول عن اعتداءات ١٩٩٥ «اسماعيل أيت علي بلقاسم». إي أن الشرطة وضعت يدها على رابط بين إرهابيي التسعينيات (هجمات على مترو باريس وعلى مخازن كبرى تاتي) وأحد تنظيمات «القاعدة» أي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب (اليمني). هنا تجدر الإشارة إلى أن كواشي طلب من الرجل الذي سرق منه سيارته أثناء هربه أن يبلغ الصحافة بأن «القاعدة في اليمن هي التي تقف وراء مهاجمة شارلي ايبدو».
قادت محاولة تهريب بلقاسم الشرطة لتوقيف كوليبالي وشريف كواشي فحكم على كوليبالي بالسجن ثلاث سنوات وخرج بعد ١٨ شهراً. وهناك تعرف بالسجن على جمال بغال الذي كان يقضي محكومية ١٠ سنوات لاتهامه بالتخطيط لارتكاب اعتداءات إرهابية فوق التراب الفرنسي ومهاجمة السفارة الأميركية.
هنا يجب التوقف قليلاً على غياب أي ردة فعل من قبل الأجهزة الأمنية. إذ أن بغال ليس شخصاً عادياً: من أصول جزائرية، وصل إلى فرنسا عام ١٩٨٦ وتزوج من فرنسية أعطته أربعة أولاد، سافر بعدها إلى بريطانيا بعد حصوله على الجنسية الفرنسية. في عام ٢٠٠٠ انتقل إلى أفغانستان. وفي طريق عودته إلى أوربا عام ٢٠٠١ قبضت عليه سلطات المطار في أبو ظبي لوجود مذكرة بحقه صادرة عن الأنتربول، وسلمته إلى السلطات الفرنسية التي حكمت عليه بالسجن ١٠ سنوات. في عام ٢٠٠٩ خرج من السجن ووضع قيد اإقامة الجبرية. بالطبع متابعة ومراقبة بغال وكل من يزوره كانت يومية. في ربيع ٢٠٠٩ أي بعد خروج بغال من السجن زاره كوليبالي. فوضعت الشرطة الفرنسية هذا الأخير تحت مراقبة «جسدية إلكترونية وتلفونية». مراقبة دامت من ٢٠٠٩ إلى … تموز من السنة الماضية أي قبل خمسة أشهر. لماذا؟
لماذا خصوصاً وأن أمراً مهماً حصل في ك١/ ديسمبر مع جمال بغال. فقد قررت السلطات الفرنسية في مطلع الشهر الماضي تعليق ترحيل الجزائري بغال المتهم  إلى الجزائر، وهو ما كانت تسعى إليه النيابة العامة «للتخلص منه» إذ رفض قاضي الأمور المستعجلة لدى المحكمة الإدارية ترحيله بانتظار أن تنظر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في طلب الاستئناف الذي تقدم به المتهم،
هل ساهم قرار الاستئناف في التعجيل بمجزرة شارلي إيبدو أو خطف رهائن المتجر اليهودي؟
وكالة الاستخبارات الأميركية (CiA) وضعت الأخوين كواشي وحميدي كوليبالي على لوائحها السرية لمكافحة الإرهاب. وحذرت قبل أيام من عملية يتم التحضير لها/ وكذلك فعلت السلطات الأمنية الجزائرية قبل … ٢٤ ساعة.
لماذا لم تعيد الأجهزة الأمنية الرقابة على كوليبالي وكواشي؟
حواب وزير الداخلية الفرنسي كازونوف  لم يقم أي منهم بأي نشاط مريب بالتالي كان من الصعب «قضائياً توقيفهما».

إذا نستنتج ما استنتجه الإهابيون من أن غياب أي نشاط لفترة ما تبعد متابعة ومراقبة الأحهزة الأمنية. كما أن «التقارب الإيديولوجي» الذي الي حصل بين جمال بغال وكوليبالي «لم يثر اهتمام السلطات الأمنية» بالشكل الكافي ويعتبر هذا تقصيرا كبيراً.

يقول برنار سكوارسيني مدير السابق للأمن الداخلي والمخابرات إن الربيع العربي «حرم الأجهزة الفرنسية من فرص التعاون مع الأجهزة التونسية والليبية والمصرية والسورية» وبالتالي فإن «مقدار رؤيتنا لما يحصل قد قصر بشكل كبير» خصوصاً على مستوى الشبكات خارج فرنسا والتحضيرات للأعمال الإرهابية.

السؤال الذي يتطب على فرنسا الإجابة عليه في الأيام المقبلة في ظل التهديدات المتكررة للقاعدة. سيكون كيف يمكن «التنبوء بحصول أعمال إرهابية في ضوء هذه الفجوات الأمنية؟». وتزداد حدة السؤال عندما نرى أن الأحهزة نفسها تقدر عدد «الذئاب المنفردة» بما يزيد عن ٤ آلاف يتنقلون في أوروبا الغربية، والذين يمكن أن يتحولوا إلى «قطعان من الذئاب» كما حصل في الأيام الأخيرة.