- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

فرنسا …”تتأمرّك”

najat-charaf-dineنجاة شرف الدين

في كتابه ” أميركا والحريات ” الذي شرح فيه بالتفصيل تاريخ أميركا وعلاقته بالحريات داخل المجتمع الأميركي ، خصص السفير اللبناني السابق في واشنطن د. رياض طبارة ، فصلا كاملا للحديث عن التغييرات التي حصلت على مستوى ممارسة الحقوق الإنسانية والديمقراطية التي تمنح للفرد ، بعد إعتداءات الحادي عشر من سبتمبر ، وبالتحديد خلال مرحلة الرئيس جورج بوش الأبن وإستمرت في عهد أوباما ،  والذي غير وجه أميركا على مستوى القوانين الحامية للحريات العامة ، التي كانت تعتبر من أبرز الإنجازات في العصر الذهبي في حماية الحرية الشخصية والمجتمع  ، والتي ألغيت أو تم تعديلها لصالح إنتهاك حرية الأشخاص إذا أرادت ذلك دون رادع فعلي .
طبارة إعتبر أن أخطر ما في الردة الأميركية التي حصلت هو إختلاق نظام قضائي مواز للنظام المعمول به يسمح لرئيس الجمهورية بتجريد أي شخص أميركي أو غير أميركي أينما ألقي القبض عليه في العالم من حقوقه أمام القضاء وسجنه مدى الحياة دون توجيه أية تهمة إليه .
ما حدث في فرنسا بعد جريمة شارلي إيبدو والتي قتلت سبعة عشر شخصا إضافة الى المجرمين الثلاث ، والذي وصفه البعض بأنه ١١أيلول فرنسا ، أثار العديد من الأسئلة حول الإجراءات التي يمكن أن تتخذها دولة الحريات وحقوق الإنسان  ، وبمستوى أقل أوروبا أيضا، كرد فعل على هذه العملية الإرهابية . وربما أبلغ تعبير كان من أحد الفرنسيين المشاركين في تظاهرة ساحة الجمهورية في باريس ، الذي قال لتلفزيون آلبي بي سي البريطاني ” ماذا فعلت أميركا بعد ١١ أيلول ؟ علينا كفرنسيين نسخها وتطبيقها ، هكذا يجب أن نواجه ” .
مما لا شك فيه أن ما حصل في صحيفة شارلي إيبدو هو جريمة بكل المعايير  ولا يمكن تجاوزها بسهولة ، ومما لا شك فيه أيضا أن الإجراءات والتحركات التي قامت  بها السلطات الفرنسية للمواجهة على مستوى حالة التأهب وإعادة النظر بمواضيع مرتبطة بالتأشيرات والتنسيق مع الأجهزة الأمنية على المستوى الأوروبي هي ضرورية لحماية فرنسا ، إلا أن الخشية التي بدأ البعض من المثقفين الحديث عنها، تتعلق بالخوف على قوانين الحماية للحريات الشخصية والتي يمكن أن تنزلق فيها تدريجيا فرنسا من خلال الإجراءات المتبعة تحت عنوان الإرهاب ، لتصل الى تعديلات لهذه القوانين ، كما حصل بعد إعتداءات الحادي عشر من أيلول  عبر مشروع ما عُرف بقانون حماية الوطن  أو  ” Patriot Act ” والذي رسم معالم أميركا الجديدة .
صحيح أن فرنسا ليست الولايات المتحدة ، وصحيح أن حضارة فرنسا  التاريخية والثقافية وعلمانيتها ونضالها من أجل الحريات العامة بعيدا عن الإنتماء الإثني أو الديني يجعل لديها مناعة من الصعب إختراقها من خلال عمل إرهابي ، وهو مدان من الجميع ، إلا أن الصحيح أيضا أنه عندما تكون الحرب مع الإرهاب فالأولويات تتغير وتصبح معها قوانين حماية الحريات والحقوق الإنسانية ليست سوى ” Collateral Damage ” أو “أضرار جانبية “…