- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

نهاية رجل شجاع

najat-charaf-dineنجاة شرف الدين

عندما بدأ حنا غريب مسيرته النضالية في عالم المطالب لأساتذة التعليم، لم يكن أحد ليصدق أن ما يقوم به الرجل الشيوعي العنيد، ممكن أن يصل الى نتيجة في ظل ما يعيشه لبنان من إنقسام طائفي ونظام تكرّست فيه المحاصصة  وغابت عنه أدوار الأحزاب غير الطائفية ، وعندما برز نجم غريب كرئيس رابطة اساتذة التعليم الثانوي حاملا لواء سلسلة الرتب والرواتب الى جانب هيئة التنسيق النقابية وخاض  صراعا طويلا مع السلطة السياسية دام سنوات بدأ من حكومة الرئيس السابق نجيب ميقاتي مع إقرار قانون السلسلة بعد فترة طويلة من النقاش ، وإحالته الى مجلس النواب لإقراره ، أيضا لم يصدق اللبنانيون أن هناك إمكانية لوصول هذا الملف الى خواتيمه السعيدة وبقي الشك قائما بإمكانية تحقيق إنجاز خارج السياج الطائفي الذي وٰضع فيه لبنان في مختلف مؤسساته وإداراته وسياساته وليس من السهل تجاوز هذا الحظر المفروض بتكوين سلطة سياسية ديمقراطية ومؤسسات مدنية بعيدة عن الطوائف والمذاهب .
كان حنا غريب ينتظر مجددا عودة البحث في مجلس النواب لبنود سلسلة الرتب والرواتب بعد أن عارض التعديلات الكثيرة التي حاولت الأطراف السياسية فرضها من أجل تحجيم الأرقام ومحاولة الإلتفاف على المفعول الرجعي . عندما دخل الى إنتخابات رابطة الأساتذة الثانويين من دون الدخول في تركيبة اللائحة التوافقية التي ضمت كل الأحزاب من 8 و 14 آذار ، إجتمعوا جميعهم،  فالأحزاب الطائفية أكبر من مطالبهم ومصالحهم التي يمكن أن تضمنها المؤسسات وأن لا تشكل مِنّة من أي من الزعماء السياسيين ، وخاضوا إنتخابات موحدة في لائحة واحدة في مواجهة حنا غريب وبعض من أصحاب النوستالجيا اليسارية ورفاقه المستقلين ، وبالطبع فازت الطوائف وحققت إنجازها الأخير بالقضاء على آخر معاقل العمل النضالي لتحقيق مكتسبات إجتماعية عادلة ، بعدما كانت خاضت في السابق صراعها على النقابات العمالية والإتحاد العمالي العام وجردته من دوره ليكون وكيلا وناطقا باسمها عند الحاجة.
بالطبع لم يكن الصراع سهلا في مواجهة تكتل كل الأحزاب السياسية التي تعمدت ترك مقعد شاغر في لائحتها لتُجرّد حنا غريب من قوته التي إكتسبها من العمل الجماعي وليكون وحيدا يُغرّد خارج السرب ، وبالطبع فإن ما قبل إنتخابات رابطة أساتذة التعليم الثانوي لن يكون كما بعده ، كما أن مستقبل التحرك من أجل إقرار السلسلة بهيكليتها المدعومة من هيئة التنسيق لن يكون واضحا على الأقل في المرحلة القريبة .
ربما لن يكون من السهل على حنا غريب أن يعود أدراجه خائبا في وجه الطوائف وهو قال في معرض رده على هذه الخسارة بحرقة ” إن القوى السياسية المختلفة تجمعت ضده لأنه دافع عن ذوي الدخل المحدود. وقال من المؤكد أنه تمت ازاحتي لأني لم أكن عضوا عاديا ومن يدافع عن حقوق الناس لا يهمه أحد انما يعمل باستقلالية بعيدا عن حيتان المال والطغاة . أضاف غريب : “ابعدوني لأني رفضت البصم على هكذا سلسلة “مسخ” ودفعت الثمن لأني لم أبصم على ما قاموا به في السلسلة من ضرب لحقوق الناس”.وسأل ” ما قيمة المناصب اذا لم نخدم الناس الذين وضعوا ثقتهم بنا”.
صحيح أن زعماء الطوائف في لبنان لم يستسيغوا رجلا صادقا إعتبر أن الوسائل الديمقراطية النضالية وحدها تستطيع أن تحقق المكتسبات الإجتماعية ، وصحيح أن حنا غريب أزعج الكثير منهم كما فعل قبله الوزير السابق شربل نحاس برغم إختلاف الظروف والأدوات ، إلا أن الصحيح أيضا أن المصالح الطائفية عندما تجتمع فهي أقسى من ” حيتان المال ” التي تُنهي بلحظة مسيرة رجل شجاع …