- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

مسؤولية فرنسا: فتية الضواحي هم أولاد الجمهورية

Khaled Breichخالد بريش*

اليوم وبعد مرور أكثر من أسبوعين على حادثة شارلي ابدو المأساوية وبعدما هدأت النفوس إلى حد ما بالرغم من تسجيل أكثر من ألف حالة اعتداء على المسلمين جسديا ومعنويا يستطيع المرء تناول طرف الحديث في هذا الموضوع حيث إن أول ما يلفت الانتباه هو ما شهدناه على صفحات التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام من حملات لا أول ولا آخر لها يُطلب فيها وبطرق مباشرة وغير مباشرة من المسلمين والعرب الاعتذار تارة، أو تأكيد انتمائهم للأوطان التي يقيمون فيها تارة أخرى… ويذكرني هذا المهرجان بما شهدناه في بداية الستينات من القرن الماضي وتحديدا سنة 1962 / 1963 حيث تم إجبار الشيوعيين في العراق أيامها على إعلان البراءة من حزبهم فكانت الصحف ووسائل الإعلام تنشر وبشكل يومي اعترافاتهم وبراءتهم من معتقداتهم السياسية وانتماءاتهم الحزبية… فما أشبه اليوم بالبارحة وإن كان في اتجاه وإطار آخر إذ فيما لو كان ذلك مقبولا من دكتاتورية لا داعي للخوض في فضائلها ومآثرها فكيف يحدث ذلك في دول تتظلل بشعارات الحرية والديمقراطية والمؤاخاة والعدالة وحقوق الإنسان…؟؟؟
إن العرب والمسلمين بصفة عامة لم يرتكبوا ذنبا… بل صودر دينهم من قبل أشخاص لا أحد يعرف ولن يعرف ولا سوف يعرف انتماءهم الحقيقي ولا المحرك الفعلي لخيوطهم ولا المحدد لأهدافهم زمانا ومكانا… ولا ذلك المتخفي بإحكام وراء ستار وسهل لهم أمورهم كل أمورهم من ألفها إلى يائها… والذين يطلبون منهم الاعتذار اليوم أو يدفعونهم إلى ذلك دفعا كمن يطلب من بريء الاعتراف بجرم لم يرتكبه وهو نفسه في الأساس أول ضحية لذلك الجرم البشع وهذا يذكرني مرة أخرى بالأنظمة القمعية والدكتاتوريات في بلادنا التي ما هاجر المهاجرون من بلدانهم إلا بسببها…
من المؤكد أننا جميعا مسؤولون مسؤولية أخلاقية وإنسانية وبلا استثناء عربا وغير عرب، مسلمين وغير مسلمين شعوبا وأمما مختلفة… أما المسؤولية المباشرة فهي تقع على عاتق أولئك الذين يحركون تلك الخيوط من وراء ستار ويتحكمون حتى بتفاصيلها… وعلى أولئك الذين يتصدرون سدة الحكم والمتعاقبين عليه كونهم أهملوا تلك الفئات عن قصد أو غير قصد وهمشوها وتركوها وشأنها وبشكل غير إنساني… وتقع أيضا على مثقفي الجالية الذين كانوا وما زالوا أنانيين بحق أبناء الضواحي المهمشين فلا تواصل معهم ولا حوار ولا تبن لمطالبهم المحقة وما أكثرها…! بل يكتفون بمتابعتهم من خلال وسائل الإعلام أو بإصدار بعض البيانات بين الفينة والأخرى جماعات وفرادى… أحيانا للتنديد وأحيانا اخرى لرفع المسؤولية عن عاتقهم وكلها تحمل في طياتها تملقا وتزلفا لأصحاب الحل والربط…
إن المناطق المهمشة في فرنسا اليوم وما أكثرها تحتاج إلى مشروع مارشال جديد ينهض بها اقتصاديا وتربويا واجتماعيا ويعيد لها اعتبارها ويعيد لها بالدرجة الأولى أبناءها المخطوفين من قبل التطرف والإرهاب والضياع ويعيد أيضا صياغة العلاقة بين الجمهورية وسكان تلك الأحياء والضواحي فينقلهم من خانة المنسيين إلى خانة الفاعلين المتفاعلين… ويبعث الإحساس لديهم بالمواطنة وبأنهم ليسوا نسيا منسا ولا خرافا إنتخابية يطرق بابهم فقط في فترات الحملات الانتخابية التي وإن اعترفت لوائحها ببعضهم فإنهم يكونون في المؤخرة أو للزينة ولرفع العتب… والأهم من ذلك كله التوقف عن الاستهزاء بعقولهم ودينهم ومعتقداتهم وتاريخهم وتراثهم لأن كل هذا لا يزيد الطين إلا بلة ولا الأمور إلا تعقيدا… وبالأخص التوقف عن فبركة وتلميع بعض المتسلقين الذين يملؤون الشاشات بمسميات مختلفة : مفكرين، باحثين، أئمة، ورؤساء جمعيات… لأنه لا أحدا من شباب الضواحي يستمع لهم أو يقدرهم وعلى العكس تماما فإنهم موضع استهزاء حتى من البسطاء وغير المتعلمين وبالتالي يتخذهم المتطرفون حجة لتأكيد طروحاتهم وشعاراتهم… ولا بد من الإقرار أيضا بأنه من حق أبناء المهاجرين أيا كانوا ولأي جنسية ولون انتموا التمسك بتراثهم ولغتهم وتاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم سماوية كانت أو بشرية… شأنهم في ذلك شأن كل المغتربين والمهاجرين في أصقاع الأرض لأن في ذلك غنى وثراء للمجتمع الفرنسي كل المجتمع وأن المستفيد الأكبر في نهاية المطاف من كل ذلك هي الجمهورية…
وفي الختام أعاود التأكيد مرة أخرى على أن المسؤولية الأكبر في هذا المجال تقع على الدولة الفرنسية بكل طواقمها وأجهزتها لأن هؤلاء الفتية وقبل أي شيء هم أولاد الجمهورية وكيف بأم تهمل أولادها بهذه الطريقة الفظة…؟
باحث وكاتب  مقيم في باريس