- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

ورشة ترتيب البيت السني

najat-charaf-dineنجاة شرف الدين

منذ رحيل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وتسلم الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم ، إنشغلت الأوساط السياسية والإعلامية في قراءة مفاعيل ما حصل ويحصل في المملكة على المسار الذي سلكته في سياستها الداخلية والخارجية ، لا سيما بعد الخطوات السريعة التي تمت مباشرة وقبل إتمام مراسم الدفن ، في موقع رئيس الديوان الملكي الذي كان يشغله خالد التويجري ، ولاحقا في سلسلة التعيينات التي جرت  في المواقع الحساسة وتكريس موقع ولي ولي العهد ، الذي كان الملك الراحل قد بادر الى إستحداثه ، إضافة الى دخول الجيل الثالث في الأسرة المالكة في مواقع مهمة ، وأبرزهم محمد بن سلمان كوزير للدفاع وإستمرار محمد بن نايف في موقعه كوزير للداخلية مع تعيينه وليا لولي العهد ومتعب بن عبد الله رئيس الحرس الوطني .
كثيرة هي التحاليل والقراءات التي تناولت هذه التغييرات خاصة أنها تأتي في مرحلة دقيقة جدا في المنطقة ، وقد ذهب بعضها الى إعتبار أن ما حصل يشكل إنقلابا على النهج الذي إعتمده الملك عبد الله،  لناحية التشدد الداخلي وتجميد الخطوات الإصلاحية ، فيما رأت في السياسة الخارجية محاولة لإستعادة المبادرة في فتح قنوات التواصل من أجل ترتيب البيت السني من أجل مواجهة التداعيات التي يمكن أن تحصل نتيجة الإتفاق الأميركي الإيراني . في المقابل ، يعتبر البعض الآخر أن زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للتعزية ، والتي جاءت بعدما قطع زيارته للهند من أجل إتمامها ، وإصراره على حضور وفد كبير جدا واللقاءات التي عقدها  ، تشكل رسالة واضحة في إتجاه دعم التحالف الإستراتيجي بين الدولتين ، ومحاولة رأب الصدع الذي حدث سابقا على خلفية الموقف من سوريا والضربة التي كان يفترض أن توجهها الولايات المتحدة وتم التراجع عنها بعد إتمام إتفاق نقل الأسلحة الكيمياوية ، كما على خلفية المفاوضات الأميركية الإيرانية من أجل التوقيع على الإتفاق النووي .
وعلى الرغم من أن الرياض شكلت محطة عالمية للموفدين من المعزين ، إلا أن زيارة أوباما كان لها وقعا مختلفا بعد الكلام الأخير للرئيس الأميركي والذي هدد فيه الكونغرس باستخدام الفيتو في حال فرض عقوبات جديدة على إيران ، وهو ما يعكس إصرار أوباما على توقيع الإتفاق ، وبالتالي محاولة تطمين المملكة السعودية على موقعها المميز لدى واشنطن . الهاجس الإيراني ما بعد الإتفاق ، يأتي في أولويات السياسة الخارجية السعودية خاصة بعد التطورات الأخيرة في سوريا والعراق واليمن والبحرين ولبنان ، وهو ما يرى فيه المراقبون دافعا في إتجاه العمل على تحسين العلاقات  مع تركيا بعد أن تم في المرحلة الأخيرة ترتيب البيت الخليجي مع عودة العلاقات مع قطر ، ومحاولة الرياض ترتيب العلاقة بين مصر وتركيا ، بعد ما أصابها نتيجة وصول الإخوان المسلمين الى السلطة مع محمد مرسي  ومن ثم إطاحتهم وإنتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي وهو ما وصفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه إنقلاب .
ربما من المبكر الحديث عن وساطة فعلية سعودية من أجل عودة التواصل المصري التركي وجمع ذات البين ، وربما من المبكر أيضا الحديث عن رسم محور يجمع الرياض والقاهرة وأنقرة لمواجهة التطورات التي يمكن أن تنشأ نتيجة تعزيز الموقع الإيراني في حال تم الإتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى ، إلا أن ما حصل في تونس بعد الإنتخابات الأخيرة وقبول حزب النهضة المشاركة في الحكم وعدم اللجوء الى المواجهة ، أعادت طرح مسألة إمكانية الحوار مع المعتدلين من الإخوان المسلمين ، وهو ما تشجعه أيضا الولايات المتحدة ، من أجل ليس فقط جمع الدول الثلاث  ، وهي دول تشارك في التحالف الدولي ضد الإرهاب ، بل من أجل مواجهة التطرف الإرهابي الداعشي .
عندما ذبحت داعش  الصحافي الأميركي جيمس فولي   وهز المشهد الرأي العام الأميركي  ، سارعت أميركا لتشكيل التحالف الدولي من أجل مواجهة الدولة الإسلامية وأصرت على دخول السعودية ودول الخليج وتركيا كشريك في المواجهة ، اليوم وبعد المشهد الإجرامي  الذي حاولت من خلاله داعش   زرع الرعب في العالم بطريقة تنفيذ قتل  الطيار الأردني معاذ الكساسبة عبر حرقه حيّا  ،هل يمكن أن  يشكل  هذا المشهد تحولا من أجل التسريع في إتمام المصالحات أو التواصل من أجل تشكيل تحالف عبر ترتيب البيت السني لمواجهة ، ليس فقط الخطر الإيراني ، بل أيضا الخطر الداعشي الإرهابي الذي يتهدد المجتمعات العربية والإسلامية بكل مكوناتها ؟