- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

المخيمات بانتظار…المحكمة الدولية

Khaled Breichخالد بريش*

جلست أم جوده المقيمة في مخيم اليرموك وحولها أولادها الخمسة تستمع للراديو الذي بجانبها حيث أشاد المذيع بالمحكمة الجنائية الدولية التي ستنظر في الوضع الفلسطيني… فانفعلت للحظة ثم ألقت على الحائط نظرة، ابتسمت لصورة والديها ولخارطة فلسطين ومفاتيح دارهم في يافا، فتأوهت ثم طلبت من أبنائها الصمت. فوافتها ابنتها الكبرى ببرقية قصيرة : بلاش تخريف هل تصديقين هذا…؟ همس الصغير في أذن أخيه :
–         سامع سوف ترجع فلسطين…! يعني سنرجع إلى بيتنا في يافا.
–         يا أهبل البيت هدموه وما بقي منه شيء، والبيارة بنوا عليها بيوت، والجامع صار مطعم ودار سيدك بح وطار…!
رفعت أم جودة صوت المذياع وتابعت السماع إلى مداخلة أحد المحللين السياسيين وهو يلوك الألفاظ ويذهب بها كل مذهب… بينما فتح ابنها الكبير المسجل على أغنية : أنا في انتظارك مليت… وانهمك الصغير في نقاش مع أخيه متسائلا :
–         إذا لماذا ما زلنا نحتفظ في المفاتيح القديمة…؟
–         انتفض أخوه : يا غبي..! ما سمعت سيدك شو كان يقول : المفتاح عرضنا. وصك بأرضنا. ورمز لوجودنا… ولا تقل هذا أمام أبيك أبدا…!
صرخت الأم : الحمد لله. يا الله…! خلص بكره راح يتحاكموا كلهم ويتحاسبوا… يا قادر، يا الله سبحانك…!
وابنها يردد مع الأغنية التي يستمع إليها : يا ريت يا ريت يا ريت…!
في مخيم آخر من مخيمات الترفيه المنتشرة في داخل أرضنا العربية وتحديدا في مخيم خاص باللاجئين السوريين كان أبو محمد في خيمته يتقلب على جمر النار ما بين موسيقى صكصكات أسنان أولاده الأربعة وأولاد اخته الخمسة بسبب البرد القارص. ونبض قلبه ما بين علو وانخفاض تبعا لإيقاع زخات المطر المتساقطة على أكياس النايلون التي جلل وغطى بها جحره، وحرقة تأكل دواخله بسبب شعوره بالعجز أمام جوع يطحن أمعاء الأولاد وأمعائه، وبرد يكوي سحنة وجوههم… فأدمعت عيناه وحشرج حلقومه بروح تمنى لحاقها بخالقها… فهل يوجد ما هو أثقل وأصعب وأكره وأذل على الرجل من عجزه عن إطعام أولاده ولو لقيمات خبز فقط…؟!!!
سمع الراديو يذيع نفس الخبر عن المحكمة الدولية فاستبشر خيرا وعلت البشائر أساريره وابتسم… فرددت زوجته متسائلة :
–         يعني هذه المحكمة ستكون للجميع وعندها نعود لبيتنا في حمص…؟
قولي إن شاء الله وحضروا أنفسكم فقد اقترب الفرج…! ولكنه استفاق فجأة من ومضة الحلم هذه متذكرا أن الشعب الفلسطيني ينتظر هذا الحدث منذ أكثر من نصف قرن وأنه مازال أمامه ربما قرن آخر كي تبدأ المحاكمات لأن الخبر يقول : سوف تنظر…! وأنه عندما تقرر النظر بيفرجها الحلاّل… فأقفل المذياع حتى لا يغرق بالأحلام كخيمته الغارقة في ماء المطر ولسانه لا ينبس ببنت شفة وقد جف حلقومه بسبب ما هو فيه من ألم…!
زرعت أم جودة الغرفة ذهابا وإيابا تفكر فيما إذا فاتها في الخبر كلمات تتحدث عن حق العودة والحقوق المشروعة… وإلا فهي باقية في مكانها وسط هذا الحصار الفظ الممانع الذي يمنع عنهم الهواء والماء… والمقاوم الذي يقاوم كل رغبات الإنسان في الحياة… فنظرت لأولادها، ثم نادت ابنها الأكبر طالبة من الإنصات جيدا لأن المحكمة الدولية ستبدأ بينما كان هو يتمتم مع كلمات أغنيته :
–         توعدني بسنين وأيّام وتجيني بحجج وكلام…!
ويفكر في هذا في الحصار الخانق والمميت الذي يطبق عليهم منذ أكثر من سنتين، ويفكر أيضا في طابور الذل والعار الذي سيخوض معركة الوقوف فيه للحصول على الإعاشة التي تمن عليهم بها المنظمة الدولية التي من المفروض انهم تحت حمايتها…
وعندما طلبت منه أمه الاستعداد للذهاب إلى طابور الإعاشة أقفل المذياع على كلمات : يا ريت.. يا ريت.. يا ريت.. يا ريت..!!! ثم انطلق.
* كاتب وباحث باريس