- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

#فلسطين: القائمة المشتركة بين الحلم والحقيقة

Khaled Breichخالد بريش*

وسط أجواء يأس تسيطر على العرب والمنطقة العربية تارة بسبب ما يقوم به الدواعش من فواحش يعجز القلم عن التعبير أو وصف عمق مأساويتها، وتارة أخرى بسبب ما نشاهده ونقرأه عن مجازر بحق الأطفال والنساء والشيوخ على أيدي أنظمة تدعي حماية الأوطان والدفاع عنها في الوقت الذي تتفتت فيه الأوطان وتتعمق فيها الانقسامات الطائفية والمذهبية والعرقية بسببهم.
وسط كل ذلك تأتي الأخبار المضيئة والمفرحة من داخل الخط الأخضر أو بالأحرى ما يطلق عليه عرب الـ 48 الذين يخضعون لحكم إسرائيل وهم في بلدهم وعلى أرضهم والذين أبقت عليهم إسرائيل بهدف لم يكن في أساسه إنساني، ولا من باب الشفقة، ولا اعترافا بهم وبحقوقهم، بل كان ذلك مؤجلا لمرحلة قادمة. ثم اكتشفت أنها بحاجة لهم كأيد عاملة غير مُكلفة وموجودة في نفس المكان، وقد غاب عن ظنها أنهم سيشكلون يوما قوة سياسية وديموغرافية تؤثر على انتخاباتها التي كثيرا ما تتم من أجل إعادة ترتيب البيت الداخلي أو لتمييع ضغوطات دولية تمارس عليها.
ومنذ أن أعلنت القائمة المشتركة وإسرائيل التي طالما راهن قادتها على انقسام العرب وتشرذمهم في مأزق حقيقي لأن كتلة نيابية في الكنيست تعني الكثير بالنسبة للعرب أنفسهم كما تعني الكثير بالنسبة للمشروع الصهيوني الذي سيجد نفسه مكبلا إلى حد ما في فبركة القوانين التي تحمي مصالحه فقط… كما أنه سيكون لهذه الكتلة البرلمانية حق الاتصال ببرلمانات العالم وعقد صداقات معها مما يعني مساندة دولية غير متوفرة إلى الآن قد تساهم إلى حد كبير في تخفيف الضغوطات عليهم من قبل الصهاينة وأنظمتهم وربما تساهم بمزيد من العزلة لإسرائيل ولنظامها العنصري وتحُد أيضا من ممارساتها في القتل والقمع والتنكيل ومصادرة الأراضي.
والأهم من كل ذلك هو أن البرلمانيين الجدد سيكونون قادة لا يقل شأنهم عن بقية قادة إسرائيل شاءت إسرائيل ذلك أم أبت. وسيكون لهم كلمتهم المسموعة من قرابة مليوني عربي مما يعني حتما بداية انتهاء الحلم الصهيوني بكون إسرائيل دولة يهودية وهنا بيت القصيد.
إن المأزق الإسرائيلي لا يتمثل أيضا بما سينتج عن هذه الانتخابات بل لكونها تجد نفسها مكبلة من حيث إنها مهما غيرت من نظامها الانتخابي فسوف يعيد الفلسطينيون سريعا ترتيب صفوفهم في تكتل جديد يفرض وجوده مرة أخرى، مع العلم أن التغيير لن يكون في مصلحة كبريات الأحزاب الإسرائيلية مرحليا… بالإضافة إلى أن عملية التغيير للنظام الانتخابي سوف تُسْقط أوراق التوت التي تستر عورة إسرائيل بمعنى أنه سيكون حينها نظام فصل عنصري جلي الوضوح مما سيحرج بالتالي أصدقاءها ومناصريها الذين لن يجدوا عندها الحجج التي تمكنهم من الدفاع عنها وعن نظامها العنصري وما ترتكبه من قتل وهدم ومصادرة للأراضي والأملاك وتشريد للعرب أصحاب الوطن والأرض التاريخيين وذلك تحت حجج وادعاءات مختلفة كان آخرها مأساة عرب النقب التي توقفت حتى حين بسبب ضغوطات الاحتجاجات المتواصلة وتضامن الحقوقيين وبعض المنظمات الدولية.
لقد شكلت القائمة المشتركة حلما لكل الفلسطينيين في الداخل… واليوم أصبحت حقيقة  ومفاجأة للإسرائيليين الذين طالما لعبوا على حبل التناقضات واستفادوا في نفس الوقت من أصوات العرب لكي يكرسوا مشروعهم الصهيوني على ظهور العرب أنفسهم… وهذه القائمة المشتركة لا تأتي من فراغ بل من حالة فهم عميق من قبل عرب الداخل لعدو محتل أذاقهم يوما أشد أنواع الهوان، ونتيجة لخبرة في كل زواريب قوانينه التي في معظمها عنصرية ومحددة الأهداف والغايات، والأهم من ذلك هو التعامل معه بذكاء حيث لا يتركون خلفهم أخطاء تسمح للمحتل أن يتخذ ضدهم أي إجراء أمني أو قانوني…
إن وجود كتلة نيابية عربية في الكنيست تنافس أحزاب إسرائيل التقليدية سوف تكون مسمارا في نعش التوليفة الصهيونية الهشة، وتحمل إلى الكنيست مجموعة كبيرة من القضايا أولها المساواة والعدالة في الحقوق وبعدها سوف تكر السبحة التي قد لا تُعْرف يوما نهايتها… فالآمال المعلقة على القائمة المشتركة كثيرة ولكنها في نفس الوقت تبقى محدودة لأن أعضاءها ومناصريهم يعلمون أن الذهاب بعيدا مرتبط بأمور خارجية وداخلية في آن معا وبتوازنات دولية جد معقدة…
وبقدر ما تحمل القائمة المشتركة من دروس لكل العرب الذين نسوهم بل تخلوا عنهم إن صح التعبير…! إلا أنها رسالة جد خاصة لحماس وفتح وحلفائهما الذين ينظرون جميعا إلى ما يحدث داخل الخط الأخضر بعين الريبة والخوف من أن يعطي ذلك دفعا وروحا جديدا لسكان الضفة وغزة والمخيمات فينتفضون عليهم بعدما وصلت الانقسامات إلى الحد المقرف والمقزز الذي يصعب تقبله…
تحية إعزاز وإكبار لعرب الداخل على هذا الانجاز الوحدوي الجميل حقا في زمن التشرذم الطائفي والمذهبي والعرقي، وألف تحية إلى الذين يحفرون بأظافرهم موقعا وسط المستنقع الصهيوني الذي يرفض في الأساس وجودهم والاعتراف بهم كبشر فما بالك بحقوقهم…!

* كاتب مقيم في باريس