- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

وجود شباب صادق… ليس دليلا على وجود الثورة

robertروبير بشعلاني

هناك انواع من الفكر تظن أن التطور التاريخي احتمالات متعددة. ” لو حصل كذا لما كان حصل كذلك. لو لم نقبل بـ ألف لما وصلنا الى الياء. لو لم نتسلح لما سرقت الثورة… الخ. الخ. الثورة اذا معطى موضوعي وما الباقي الا سيرورة تحتمل كل الامكانات. طيب ماذا لو لم يكن المعطى الاصلي ” الموضوعي” صحيحاً ؟ ماذا لو كان المجتمع الممنوع اصلا من التكون الطبيعي بعد قدوم الاستعمار الى بلادنا ليس مستعدا الا لصراع الغلبات القرابية ؟ على فرض انه كان هناك ثورة في بداية الامر، وهو امر مستحيل لأسباب متعددة أهمها : ١-غياب اي قيادة ثورية وأي برنامج معلن للتغيير ” الثوري” مقابل حضور قوي ” لأعيان القرى والدساكر ” أو تنظيمات إخوانية ممولة وطائفية. ٢- مصالح الناهب الدولي الحيوية لا تمنحه حق وترف ترك المنطقة بدون ” حوكمة ” . ففي ظل الهيمنة الدولية والصراع الدولي القائم من المستحيل قيام حركات تغيير كبرى بمعزل عن صراع الجبابرة العائد الى الساحة الدولية بقوة. يضاف سبب ثالث اذا شئنا يتعلق بالبنية الاجتماعية القرابية المسيطرة التي تمنع بالمبدأ قيام تحرك ذي طابع وطني تغييري. فمصالح القرابات متناقضة موضوعيا. على فرض انه كان هناك ثورة فان الانقضاض عليها والتهامها بهذه السهولة، وفي عدة بلدان دفعة واحدة، يؤكد انها لم تكن من الأساس غير تحرك لمجتمع مسدود استغله ناهب مأزوم بواسطة أدوات مشبوهة تسعى الى دور ناطور أمين. وجود شباب صادق، في هذا التحرك، ليس دليلا على وجود الثورة بل على وجود أقلية صادقة تجهل بنية مجتمعها وتبعيته للخارج. فالشباب الصادق اذا لم يع ضرورة تغيير المنظومة العامة للتبعية بدلا من النظام فهو محكوم عليه بسرقة ليس ثورته وحسب بل كل احلامه. هذا الكلام لا يعني ان بلادنا ضحية متآمرين التقوا في قبو بعيد عن العيون بل ضحية نمط انتاج راسمالي عالمي بنيته دفعته بطريق الريع المالي والديون والعبثية الاقتصادية وضحية حاجته لمزيد من النهب طمعا بحل أزمته البنيوية العميقة او بتأخير ساعته ما أمكن التأخير. فعلى فرض أنه كان هناك ثورة عندنا، كان من المفترض أن تصرخ جوعها لا ” فلسفتها “، هذا اذا كانت عفوية، أو أن تحمل رؤية ومشروع وشعارات وضحة لبديل هذه المنظومة المهيمنة من الخارج، هذا اذا كانت فعلا ثورة تغيير حقيقي. وبالتالي لا يمكن ان تكون بالأساس حيادية حيال الناهب الدولي او، وهو الأنكى ، حليفة له على قاعدة تلاقي المصالح كما زعم الزاعمون. أما أن تكون حرب مغالبة منافس كار ( طائفة اخرى) من ضمن منظومة الهيمنة ذاتها وبالتحالف والتفاهم مع الناهب الدولي ذاته فلا يمكن توصيفها اساسا بالثورة لأنها بكل بساطة لا تنشد تغيير المنظومة بل رأس النظام وحسب. الثورة مشروع تغيير جذري للعلاقات الاجتماعية السائدة ونقلها الى مستوى ارقى وارفع. اما العلاقات الاجتماعية السائدة في بلادنا اليوم لا يمكن عقلها بمعزل عن النمط الراسمالي الشكلي الذي اقامه الرأسمال الوافد إلينا من الخارج. علاقاتنا الاجتماعية تشمل بنى مجتمعنا بكافة مستوياته، وكيفية ربطها بالخارج؛ ولا يمكن حصرها بمستوى واحد من مستوايته وخصوصا السياسي منها، فكيف عندما يجري حشرها كلها بشكل من أشكال تداول السلطة، الديمقراطية؟ فحتى تحمل الثورة اسمها وتستحقه فعلا عليها التصدي جملة لهذه العلاقات بكل تعقيداتها وتشابكاتها المركبة. بغير ذلك تتحول التحركات النابعة طبعا وحتما من مشاكل حقيقية الى تحركات عمياء تفرش الطريق امام المتنافسين على ” النطارة ” ( دور الناطور ) عند الناهب. وبدلا من انتظار الحلول والمساهمة فيها يساهم الشباب الثائر بتدوير الدائرة وتأبيد العلاقات الاجتماعية القائمة والمسيطرة. التصدي يكون للمالك الفعلي اليوم لوسائل “الانتاج ” في بلادنا. فمن هو ؟