- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

مصر يا بهيّة

زاوية حادّة

حسام كنفاني

بعد الثورة غير ما قبلها. قد لا يكون المكان اختلف كثيراً، لكن من المؤكد أن روحاً أخرى سكنت الأفق. روح عابقة بالسحر الذي تعرفه مصر منذ زمن طويل، لكن وقعه بات أضعافاً مضاعفة. منذ عبور بوابة المطار إلى براحة الشوراع المصرية، ترن في أذنك أغنية «أنا بتنفس حرية». حرية منعتقة من كل القيود المفروضة عليك في حسابات دول المنطقة وسياساتها وأنظمتها الممانعة والمهادنة. لا معنى لكل هذه الترّهات على أرض مصر الثورة، كل ما تشعر به بأن ثورة قامت وانتصرت، وأن شعباً خرج إلى حريته كاسراً كل قيود المعادلات الإقليمية والدولية.
في أرض الكنانة لا مكان إلا لحديث الثورة، معها أو ضدها، مؤيد لاستمرارها أو معارض له، لا فرق. لكن الثورة هي لسان حال الجميع. الثورة تحتل المكان، بالوعي واللاوعي. كثيرون ممن يتكلمون اليوم، مع أو ضد، ينسون أن الثورة هي من فتحت لهم باب الكلام الذي كان مغلقاً إلا ضمن حيّز ضيق وفي نطاقات معيّنة.
ملامح التغيير يشهدها زائر القاهرة منذ اللحظات الأولى لدخول المدينة المزدحمة، من سائق التاكسي والشعارات المكتوبة على الجدران، إلى حركة الاعتصامات المتنقلة التي لا تتوقف ولأسباب متعددة ومتنوعة. تغيير للتاريخ سيكون محل روايات وتدوينات في الايام والسنوات المقبلة. من المدهش كيف من الممكن للمرء أن يعيش تاريخاً بتفصيلاته الصغيرة التي قد لا تذكر في الكتب، لكنها لن تمحى من الذاكرة.
في مصر تاريخ جديد، لن يقتصر عليها. «مصر تغيّر حين تتغيّر»، مقولة حقيقية لقاطرة كانت متوقفة على مدى ثلاثين عاماً، ومع حراكها تحرّك المشهد كله من حولها كاسراً قيود الايدلوجيات الملفقة والحسابات السياسية الغارقة في الفرديّة.
مع المشاهد الجديدة في القاهرة تستحضر كل ما اختزنه المرء من أغاني لمصر الجديدة، التي لم تكن قد ولدت بعد. «مصر يما يا بهيّة»، هذه الأغنية للراحل الشيخ إمام، التي أداها في أحلك الظروف التي عاشتها أرض الكنانة، هي بنت اليوم، ووليدة اللحظة. هي أغنية لمصر الثورة التي حلم بها الشيخ لكنه لم يعش ليراها حقيقة. الحقيقة نحن نراها ونلمسها وننشهدها وسننشدها طويلاً: «مصر يا بهيّة».