- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

«حركى» الجزائر بعد الاستقلال…هل تم قتلهم؟ هل اغتيلوا؟ هل أبيدوا؟

Tabouنصيرة بلامين

حرب الجزائر كانت حربا دامية، لقد دفع الشعب الجزائري ثمن الحرية غاليا فمنهم من قُتل، ومنهم من سُجل في عداد المفقودين، ومنهم من سُجن وعُذب بأبشع الأساليب، ومع ذلك فلقد كانت هذه الحرب حرب تحرير إذ وضعت نهاية لنظام استعماري غاشم وظالم. فالنظام الكولونيالي الاستعماري لم يكن يحترم الجزائري لا بكونه مواطنا ولا بكونه إنسانا وأكثر من ذلك فلقد خلق هذا النظام التفرقة بين مختلف الجزائريين وجعل من الجزائري يواجه أخاه الجزائري ويقف ضده فالبعض ساند العلم الفرنسي في الوقت الذي كان النصف الآخر من الجزائريين يتطلع إلى الحرية واستقلال البلاد، هذه الوضعية أدت بعد الاستقلال إلى تصفية حسابات واللجوء إلى عمليات الثأر.

لقد بدأ الحديث في فرنسا عن “حرب الجزائر” منذ المصادقة على قانون سنة 1999 إذ كانت فرنسا من قبل تتحدث عن “أحداث الجزائر” وليس عن “حرب”، أما في الجزائر فالأمر كان يتعلق بالحديث عن “حرب الجزائر” أو “الثورة”، وكانت كلمة “ثورة” تشمل أيضا مجمل الانتفاضات التي بدأت في ماي 1945 وما أعقبها من مجازر بعد 8 ماي 1945 في كل من سطيف، قالمة وخراطة.

وجاء كتاب “آخر الطابوهات: الحركى الذين بقوا في الجزائر” لـ«بيار دوم» (Pierre Daum)الذي أصدرته مؤخرا دار النشر “أكت سود” الفرنسية للحديث عن مصير أولئك الذين عملوا بجانب فرنسا أو لنقل أولئك الذين وقفوا في “الصف الخطأ” خلال حرب التحرير التي دامت سبع سنوات ونصف وذلك من خلال شهادات عديدة.

وعكس ما كان يُشاع، تبين أن غالبية الحركى بقوا للعيش في الجزائر مع عائلاتهم بعد الاستقلال. صحيح أن قضية الحركى في الجزائر هو موضوع حساس جدا، غالبا ما خيم عليه الكثير من سوء الفهم والصمت، ومع ذلك لا يمكننا أن نتنكر لهذه القضية كونها جزء لا يتجزأ من تاريخ الجزائر.

وتبدو لفظة “حركى” صعبة الفهم والاستيعاب للوهلة الأولى، فالفرنسيون استعملوها لأول مرة للحديث عن الجزائريين الذين اصطفوا تحت اللواء الفرنسي خلال حرب الجزائر، ثم تم استعمالها في سنة 1962 للحديث عن أولئك الذين خدموا العلم الفرنسي وفروا الجزائر مع عائلاتهم نحو فرنسا بل وكذلك أولئك الذين شعروا بالخوف والتهديد كونهم كانوا يعملون في الإدارات الفرنسية وكذلك بعض من جند خلال الحرب العالمية الثانية أو حرب الفيتنام كجنود مسلمين في الجيش الفرنسي ولو أنهم ليسوا بالحركى، ولكنهم فروا الجزائر خوفا من العنف والمجهول.

أما في الجزائر فالكلمة كانت تعني كل من وقف مع فرنسا خلال حرب التحرير، ونجد مرادفا آخر لكلمة “حركى” وهو “قومي”« goumi » سواء كانوا مجندين في صفوف الجيش الفرنسي أو كانوا مدنيين عارضوا بشدة موقف المجاهدين ونشاطهم.

واتخذت كلمة “حركى” في الجزائر حاليا مجرى آخر وأصبحت تستعمل كمرادف لـ”خائن” وحتى أن الكلمة أصبحت تستعمل للحديث عن بعض الشخصيات السامية التي تتبوأ مناصب في الحكومة الجزائرية وتعمل من أجل تحقيق أغراضها الشخصية أو خدمة لصالح الأجانب دون أن تكون لها علاقة مشبوهة مع المستعمر خلال حرب التحرير.

السؤال الذي يطرحه «بيير دوم» في هذا الكتاب هو ماذا حدث بالضبط للحركى الذين لقوا حتفهم سنة 1962؟ هل تم قتلهم؟ هل اغتيلوا؟ هل أبيدوا؟ هل أصدر في حقهم حكم بالإعدام دون محاكمة؟ هل اغتيلوا في الجزائر وتم انقاذهم في فرنسا؟ وهل يمكننا حينها الحديث عن إبادة للحركى وإن كان ذلك فمن قبل أي طرف يمكن الحديث عنه، من الجانب الفرنسي أو من الجانب الجزائري؟

وقام الكاتب «دوم» بتدوين أكثر من ستين شهادة لقدماء الحركى خلال تحقيقه، ومن خلال هذه الشهادات المدونة وحده القارئ يمكن له الحكم ما إذا صح الحديث عن اغتيالات وتصفيات وهذا عدا سلسلة من القتل الجماعي للحركى عايشها شهود من قدماء الحركى.

منذ أكثر من خمسين سنة، يتواجد العديد من الرجال والنساء لم يتم الحديث عنهم وهم الحركى الذين ظلوا في الجزائر بعد الاستقلال، وهي حقيقة يجهلها الكثير من الفرنسيين وحتى الجزائريين. ومن بين الباحثين الذين استقصوا في موضوع الحركى وحده المؤرخ «عبد الرحمان مومن» ذكرهم في مقال نشر سنة 2012 في كتاب “المغرب واستقلال الجزائر”، أما في فرنسا فالفكرة الشائعة هو أنه سنة 1962 معظم الحركى استطاعوا الفرار إلى فرنسا أو تمت إبادتهم. لكن ألا يمكن أن يكون من بقي من الحركى في الجزائر استطاع الاندماج في المجتمع الجزائري؟

ويبدو حسب «دوم» أن حقيقة تواجد الحركى في الجزائر هي فعلية ولا ينكرها أحد إلا أنها حقيقة يعسر هضمها من قبل الكثير من الجزائريين ويبدو أنهم يعيشون في الجزائر دون مشاكل إلا أن هذا الأمر يبدو خاطئا في نظر الكاتب.

منذ أكثر من خمسين سنة، العديد من شهادات قدماء الحركى استعملت واستخدمت لأغراض سياسية بغية سحب شرعية النضال التحريري للجيش التحرير الوطني وجبهة التحرير الوطنية وهذا لتبرير أفعال مناصري الجزائر الفرنسية. من جهة أخرى، يبدو أن خطاب قدماء الحركى يندمج ضمن فكرة قديمة تتمثل في إعطاء الشرعية للوجود الاستعماري في الجزائر.

وتنقسم هذه الدراسة التي خصصها الكاتب إلى قسمين اثنين: فالقسم الأول يتناول الإطار التاريخي لمسار كل الحركى وعائلاتهم الذين بقوا في الجزائر بعد 1962، معرفة من يكونون؟ كم هو عددهم؟ وكيف انضموا إلى جانب الجيش الفرنسي؟ ماذا كان مصيرهم بعد 1962؟ وما هي حالتهم وأوضاعهم حاليا؟

أما القسم الثاني فيتناول شهادات للعديد من قدماء الحركى دونها الكاتب بعدما التقى بهم خلال تواجده في الجزائر بين فترات 2012 و2014.