يُقدر حاليًا وجود قرابة سبعة ملايين من الأرمن موزعين على أرجاء المعمورة كلها، فهم يتواجدون في جمهورية أرمينيا وفي الولايات المتحدة الأمريكية وفي الإتحاد السوفياتي (سابقًا) وفي فرنسا وفي الشرق الأوسط وفي تركيا خاصة إسطنبول ونجدهم كذلك في أماكن أخرى من العالم.
في بداية القرن العشرين، معظم الأرمن كانوا يعيشون في ظل الدولة العثمانية في القسطنطينية (إسطنبول) وخاصة في آسيا الصغرى (في الأناضول)، المهد التاريخي للشعب المسيحي في منطقة الشرق، فـ 90 بالمائة تابعون للكنيسة الأرمنية الرسولية و10 بالمائة اعتنقوا المسيحية أو البروتيستانتية خلال الحملات التبشيرية التنصيرية التي قامت بها بعض الدول الأوروبية والأمريكان، كما كان البعض منهم يقطن في الإمبراطورية الروسية وفي بلاد الفرس. وبلغ عدد الأرمن عام 1914، 1300000 نسمة حسب تقديرات السلطات التركية آنذاك أما الإحصائيات التي قدمها الأرمن فكانت تشير إلى وجود 2000000 نسمة.
في منتصف القرن التاسع عشر، رافق الأرمن محاولات إصلاح النظام العثماني وكذا التطوير الاقتصادي، إلا أنه بعد المجازر الكبرى التي قام بها مسؤولون عسكريون للسلطان “عبد الحميد الثاني” بين سنوات 1894 و1896 تم كبح المطالب الوطنية للأرمن ومع ذلك بقوا أوفياء للإمبراطورية العثمانية. وكان الأرمن يشكلون رهانًا لأوروبا إذ كان لها مصالح في البلقان والحوض الأبيض المتوسط وكانت تضمن لهم الأمن والحريات طبقًا للمادة 61 من معاهدة برلين 1887 التي أبرمت على إثر الحرب السورية-التركية (1877)، غير أن الدولة العثمانية كانت تلاحق الأرمن وترهقهم بالضرائب التي كانت القبائل الكردية تقوم بجمعها عند شنها هجمات على القرى الأرمينية.
في جويلية 1908، وصل إلى سدة الحكم حزب “جمعية الاتحاد والترقي” التركي وكان هذا باعثًا للأمل لدى الأقليات المضطهدة في عهدة النظام السابق، وأعطى فرصة للحزب البحث عن نموذج نظام جديد لدولة تكون موحدة سواء كان من جانب الهويات الإثنية أو الهويات الدينية. وكان نموذج نظام “دولة-الوطن” المستورد من أوروبا في نظر أعضاء الحزب الحاكم الطريقة الوحيدة لتحويل الإمبراطورية إلى دولة حديثة ومركزية، لكن هذا الإصلاح كان يخفي فكرة إقصاء الفئات غير المندمجة أو العدوة.
في 24 أفريل 1915، قام حزب “جمعية الاتحاد والترقي”، الحزب الحاكم آنذاك، بتوقيف واغتيال النخبة الأرمنية في القسطنطينية/اسطنبول وخلال ربيع السنة نفسها وغداة بداية الحرب العالمية الأولى، قامت القوات الوطنية لـ”كمال أتاتورك” بإبادة الأرمن وبدأت التوقيفات الجماعية والترحيلات تبعتها سلسلة من المجازر خططها عناصر من الحزب الحاكم.
وعلى إثر هذه المذابح، لفظ “طلعت باشا”، أحد أهم الوزراء آنذاك، جملته الشهيرة بالفرنسية يوم 31 أوت 1915 خلال لقاء جمعه مع السفير الألماني: “القضية الأرمنية لم تعد موجودة” (« La question arménienne n’existe plus »)
وأوضح خلال لقاء آخر أن “إبادة” الأرمن له “هدف سياسي”.
وتعد إبادة الأرمن أحد أهم الأوراق التاريخية المؤلمة خلال الحرب العالمية الأولى طالما تنكرت لها تركيا، كما أن هذه القضية عانت من الجهل والنسيان وكذا إهمال الرأي العام الأوروبي تجاه هذا الشعب.
لقد كان تاريخ الأرمن خلال القرن العشرين مأساوي بحيث تم محو ثلثي شعب (عدا 200000 نسمة نجوا من الإبادة من مجموع 1300000 من الأرمن) أما من نجا فقد عرف المنفى والتشرد، وتزداد مأساة الأرمن بإصرار تركيا على رفضها الاعتراف بهذه الإبادة.
ولفهم هذه المذابح بعد مرور 100 عام من وقوعها، قام ثلاثة مؤرخين بدراسة حول الموضوع، وجمعوا جهودهم وخبراتهم من خلال كتاب أصدر مؤخرًا تحت عنوان: “فهم قضية إبادة الأرمن منذ 1915 إلى يومنا الحالي” عن دار النشر “تالوندييه” الفرنسية.
ويتناول الكتاب القضية الأرمينية في ثلاثة أجزاء، فالجزء الأول خُصص للأبحاث التاريخية التي أنجزت مؤخرًا بشأن حقائق هذه الإبادة وفهم سياقها في ظل الدولة العثمانية مع التركيز بوجه خاص على المناطق الشرقية التي كانت تشكل الأراضي الأرمينية.
أما الجزء الثاني فيتناول تحليل المحيط التاريخي للأشخاص الذين كانوا وراء تعذيب الأرمن سواء كان ذلك في عهد الدولة العثمانية أو عند وصول حزب “جمعية الإتحاد والترقي” التركي إلى السلطة.
وسلط الجزء الثالث الأنوار على الرهان الأوروبي والعالمي تجاه إبادة الأرمن التي وقعت عام 1915 ولكن أيضا بشأن المجازر التي ارتكبت بين 1894-1896.
