اجتمعت في باريس الصيغة المصغرة للتحالف الدولي ضد “داعش” الذي هو بقيادة واشنطن. وصدر عن الاجتماع بيان يصعب ترجمته بأنه إعلان لخطة سحرية تقضي على داعش وتعيد ماء وجه الحكومة العراقية التي كانت بمثابة «عروس» الاجتماع. ولكن في البيان (اضغط هنا) بعض النقاط التي تم إغراقها في ديباجة تحريرية تكرارية لما سبق وقاله وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أو الغائب وزير الخارجية الأميركي جون كيري في كل مرة تناولا موضوع داعش.
من نافل القول إن المجتمعين كانوا يعرفون قبل الدخول إلى قاعة الاجتماعات الذهبية «تباين الرأي» في ما يتعلق بمحاربة داعش بين أقطاب الاجتماع المصغر أي العراق والولايات المتحدة وفرنسا.
فرنسا لا تريد بأي شكل من الأشكال أن يستفيد النظام السوري من الحرب على داعش. لم يتردد مصدر مقرب من هذا الملف من القول «لا تعاون ولا أي مساعدة لنظام الأسد حتى ولو كان هذا يفيد داعش». وقد تجلى ذلك في البيان الذي جاء فيه أن نظام الرئيس السوري «غير قادر ولا يرغب» في محاربة تنظيم “داعش”. واشنطن ترى أن «الأولوية هي للتصدي لداعش» وهي كما يعرف القاصي قبل الداني «تنسق ضرباتها بطريقة غير مباشرة» مع الجيش السوري عبر غرفة عمليات في بغداد. فالعراق لا يخفي رغبته بالتعاون مع النظام السوري حليف حليفه الأكبر إيران.
إذا باريس «تنظر وترى» داعش فقط في العراق، رغم أن سقوط تدمر السورية هو الذي كان وراء هذه الدعوة التي روج لها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. واشنطن «تسرق النظر» نحو الساحة السورية ولا تريد أن تجاهر بالتعاون غير المباشر، ولم تستطع أن تقنع باريس بتغير موقفها، عراق العبادي يجاهر بتعاونه، فكانت له حصة الأسد من … المشورات والنصائح. فقد حصل على « دعم لخطته العسكرية والسياسية العراقية لاستعادة الأراضي». ولكن أي خطة؟
نائب وزير الخارجية الأميركي، انتوني بلينكن، الذي مثل كيري المريض، وصفها بأنها «خطة جيدة عسكرياً وسياسياً». في الواقع لا يبدو أنه توجد أي «خطة جديدة» للتصدي لداعش. ستتابع طائرات التحالف شن عشرات الضربات الجوية التي أثبتت فشلها في وقف زحف داعش، وهو ما وصفه فابيوس بأنها «معركة طويلة الأمد».
وقد بدا هذا الاجتماع وكأن هدفه هو فقط «تغيير تصرف حكومة العبادي» والعمل على «إقناع سنة العراق بأن حكومة بغداد قد غيرت سياستها» ودفع هؤلاء إلى العمل على «إحياء الصحوات». يقول خبير غربي عمل مستشاراً لوزارة غربية «ما لا يدركه المجتمعون هو أن الشق المذهبي في العراق عميق بشكل لا يسمح بأي خطة سياسية وبالتالي عسكرية».
رغم هذا في النقطة الرابعة من البيان، بدا وكأن «العراق لم يخرج من فترة الاحتلال» فقد تضمن البيان «لائحة إجراءات مطلوبة من الحكومة العراقية» حول عمليات الإصلاح والمصالحة، وإنشاء قوة حرس وطنية. ولكن مع ربط الحالة العراقية بالمسألة السورية في «الحاجة الملّحة للتوصل إلى حل سياسي للصراع في سوريا». وقد رد العبادي بنداً بنداً على مطالب التحالف في النقطة الخامسة. وهو لم يتطرق إلى الوضع في سوريا، إلا أن الوفد المرافق شدد في الأروقة على ضرورة التنسيق مع سوريا.
رغم محاولة الفصل «العملياتي» بين سوريا والعراق من حيث الضربات الجوية ومحاربة داعش يدل البيان على أن المجتمعين يعرفون أن سوريا هي النقطة المحورية في مسألة محاربة داعش. فقد أشار البيان إلى «التدهور المستمر في الوضع في سوريا» وتكرار «تعهد- الحلفاء- بصون وحدة سوريا وسيادتها» ودعا إلى «عملية سياسية حقيقية وشاملة للجميع على وجه السرعة تيسرها الأمم المتحدة من أجل تنفيذ مبادئ إعلان جنيف – ومن ضمنها إقامة هيئة حكم انتقالية، بالاتفاق المتبادل، كاملة الصلاحيات التنفيذية». وهذ المرة الأولى التي تبعد الدعوة لحل سياسي عن مسألة «تجاوز النظام وفرض الحكومة الانتقالية».
انفض الاجتماع من دون الإعلان عن « دعم نوعي» للحكومة العراقية بالسلاح الذي طالب به العبادي في مداخلته.
السؤال هل كان هذا الاجتماع ضروري لهزيمة داعش في غياب خطوات عسكرية حاسمة مثل إنزال جيوش على الأرض أو ضرب مكثف وليس انتقائي للقوات داعش التي تتنقل مسافات طويلة دون أن «تنتبه» لها الأقمار الصناعية ومن دون أن تلاحقها طائرات الحلفاء.