بسّام الطيارة
يتسائل البعض لماذا يستطيع تنظيم داعش الذي يلبس نفسه إشارة إلى «الدولة الإسلامية» أن يثبت أقدامه في مناطق واسعة من العالم العربي والإسلامي؟ كيف تمكن هذا التنظيم من الإمساك بمناطق ذات كثافة سكانية لا بأس بها من دون أن تكون له ركيزة أساسية ديموغرافية في تلك المناطق، ولا علاقات عشائرية، فمعظم «المقاتلين» أتوا من خارج سوريا والعراق (٨٠ في المئة من مقاتلي داعش ينتمون إلى ١٠٠ دولة)، إذا كيف يمكن أن يحصل هذا؟
في الواقع إن سهولة «تقبل» السكان لنمط الداعشي يعود إلى التركيبة الديموغرافية للمجتمعات العربية كما خلفتها سنوات الديكتاتوريات وجمود التنمية، وانفتاح تلك المجتمعات من دون أي قابلية على حداثة لم تمن مهيئة لولوجها.
قبل وصول داعش في سياق ربيع عربي لا يحمل من الربيع إلا اسمه، كان يمكن تقسيم الديموغرافية في المجتمعات العربية الذكورية إلى ثلاث كتل إذا وضعنا جانباً الأطفال ما دون الـ ١٤ عاماً: الشباب من ١٥ إلى ٣٠ والرجال من ٣١ إلى ٥٥ عاماً، وكبار السن ما فوق الـ ٥٦ عاماً.
نستطيع أن نرى أن الشباب وكبار السن هم أكثر السكان ترحيباً بشكل مبطن بـ«دوعشة» المجتمع، بينما الرجال كانوا أكثر تحفظا ًوسعىت أعداد كبيرة منهم للهروب من سيطرة التنشيم المتطرف. لماذا الشباب وكبار السن؟
قبل الربيع العربي كان الشباب يقفون على ناصية المجتمع الحديث المتمدن، ينظرون إلى متطلبات الحياة الحديثة وهم قاصرون عن الوصول لأدنى حد مما يعرضه نمط الحياة الحديثة. وأكثر ما كان يستفز الشباب هو «قصور المسألة» الجنسية، بحيث أن «النظر إلى فتاة» كان يتطلب مقدرة مادية للوصول إلى وسط المدينة أو الدخول إلى السينما أو الحصول على هاتف خليوي، ناهيك عن … الزواج. السيارة والدراجة والهاف والتلفزيون والتبرج والموضة لن تعد مقياس النجاح لهؤلاء الشباب.
بوصول داعش زالت هذه العقبات، يكفي الانتماء إلى داعش للوصول إلى … حرمة. يكفي الانتماء إلى داعش للتنفيس عن العقد الجنسية المتراكمة.
أما كبار السن، فقد كانوا مكبلين بنمط الحداثة، أي ملاحظة من طرفهم، كانت تُجابه بـ «يا حاج تطورت الدنيا…» في حال انتقاد رجل كبير السن لتصرفٍ ما يأتيه تعليق حاسم «يا عم لقد تغيرت الأحوال عما كانت في زمانك…» إلخ… وحتى بالنسبة للأمور الشخصية إن أراد رجل كبير السن الزواج من امرأة ثانية ينهره محيطه وعائلته بحجة تطور المجتمع وتغير الأحوال.
بوصول داعش بات «العم» يستطيع أن يتزوج ما يبغاه يعقد قرانه على أي صبية دون أن يجرؤ أي فرد على انتقاده أو محاولة ردعه…يمنع أفراد عائلته من اللحاق بركب التطور والحداثة يصبح هو الآمر الناهي في حضن المزل كما كان في قديم الزمان…
يعتمد داعش على هتين الكتلتين من سكان المناطق التي يسيطر عليها لتثبيت أقدام التنظيم وبعض العناصر المؤهبة غير المباشرة هي الفقر الجنسي والجوع الحداثي والانسحاق أمام برامج تلفزيونية تغزو عقول غير مستعدة لما تتلقاه من «نعيم افتراضي». جاء داعش ورمى بالافتراضي بعيداً وجعل الحياة سهلة لهؤلاء المسحوقين.