- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

فرنسا .. أزمة نموذج

Olfa boomألفة قدارة

بعد أكثر من قرن على إقرارقانون العام ١٩٠٥ حول فصل الدين عن الدولة ، وحسم الجدل الدائر حول المعركة من أجل العلمانية ، يتجدد النقاش ( في نفس الفترة تقريبا ) في المجتمع الفرنسي حول موضوع ارتداء ما يعكس الانتماءات الدينية في الامتحانات الفرنسية.
وحسب وزارة التربية الفرنسية، يمنع المترشحون المنتمون الى معاهد حكومية حسب قانون ٢٠٠٤ ، من ارتداء اي شيء يعكس الانتماء الديني ، بخلاف المترشحين المنتمين لمعاهد خاصة ، فهم أحرار.
بكالوريا ٢٠١٥ أثارت الجدل ، فقانون ٢٠٠٤ بالنسبة لبعض مديري المؤسسات التربوية وللمهتمين بمسألة العلمانية ، لا يمكن تطبيقه على امتحان وطني مثل الباكالوريا ، لأن المراقب في هذا الامتحان مدعوَّ – إلى جانب التثبت في الهوية – إلى النظر في مدى التزام المترشح بالقواعد الخاصة بظروف الامتحان ، وعدم استعماله لأدوات قد تساعد على الغش .
لكن السؤال الذي أثير : لماذا هذا التمييز بين المؤسسات الخاصة والمؤسسات العمومية ؟ ما الفرق بين أن يكون المترشح منتميا لمعهد عمومي وأن يكون منتميا لمعهد خاص عندما يجرى الامتحان في نفس البلد العلماني ؟
.يرى المختصون في مسألة العلمانية  أن ” العلمانية مبدأ لا يتجزأ،”  ولأنها كذلك يجب أن نلتزم بمبادئها من الحضانة الى الجامعة . كما يجب تطبيقها على جميع المواطنين دون استثناء . إذ لا يعقل التمييز بين المترشحين حسب المؤسسات التي ينتمون اليها . كما لا يجوز أن تحافظ المؤسسات التربوية الخاصة على كل الرموز الدينية فيها ، في حين انها تستقبل آلاف المترشحين لإجراء امتحان وطني في دولة علمانية .
تنص المادة الاولى من الدستور الفرنسي على أن فرنسا جمهورية غير قابلة للتجزئة ، علمانية ديمقراطية اجتماعية ، تكفل مساواة جميع المواطنين أمام القانون دون تمييز يقوم على الأصل أو العرق أو الدين وتحترم جميع المعتقدات . لكن يبدو أن الجمهورية تختلف  بين الواقع والتطبيق . ومع التحولات الثقافية التي شهدها المجتمع الفرنسي بسبب الهجرة من جنسيات مختلفة ، واستقرار عدد كبير من المسلمين ، طرحت مسألة الدين في دولة لا تعترف رسميا بأي دين ولا تدعمه ماليا .
من هنا كان قانون ٢٠٠٥ بداية لأزمة النموذج الجمهوري في فرنسا . فباسم العلمانية والقيم الجمهورية تم تبرير منع ارتداء الحجاب في المعاهد مثلا ، باعتباره انتهاكا للحقل العام ولمبدإ خصوصية الدين . لكن هذه القوانين لا تراعي مبدأ حق الاختلاف الذي كفلته المادة الاولى من الدستور .
المعادلة  الصعبة اليوم تكمن في كيفية تمسك فرنسا بمبدإ حياد الدولة إزاء الأديان . هذا الهدف المنشود لا يمكن الوصول اليه الا اذا تحققت المساواة على أرض الواقع بعيدا عن المثل الفلسفية العليا .. الواقع اليوم يتطلب تفكيرا عميقا لاحياء المبادئ العامة المؤسسة لجمهورية تحترم مواطنيها وتساوي بينهم في الحقوق والواجبات وتكفل حرية ضمائرهم ..
المسألة إذن تتجاوز امتحان الباكالوريا ،  وارتداء الرموز الدينية في المؤسسات الحكومية والخاصة .. انها أزمة نموذج جمهوري يتأرجح بين مفاهيم فلسفية عليا وواقع مصاب بالإسلاموفوبيا ورفض الاخر والخوف منه وعدم قبول اختلافه الثقافي .