- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الجزائر: الفتنة بين اليهود والمسلمين مذبحة قسنطينة

couverture_agression_des_juifs_constantineنصيرة بلامين

يعود وجود اليهود في شمال إفريقيا ولاسيما في الجزائر، حسبما ذكرته العديد من الكتب التاريخية، إلى الألفية الثانية قبل الميلاد بحيث استطاعوا الاندماج بسهولة مع سكانها النوميديين الأصليين الذين رحبوا بهم، لكنه تبين، استنادًا إلى كتاب “اعتداء اليهود على أهل قسنطينة سنة 1934: أبعاده الصهيونية ورد الفعل الوطني والعربي” لـ د. عبد العزيز فيلالي عن دار الهدى للنشر الجزائرية، أنه منذ احتلال فرنسا للجزائر عام 1830 أسرع اليهود الخطى “في التودد للفرنسيين والتقرب منهم وتقبلهم لهم ولاسيما أن النخبة التجارية منهم كانت لها علاقات ومصالح اقتصادية هامة مع الدول الأوروبية وخاصة فرنسا” وأنهم أصبحوا يتطاولون على الأهالي خاصة بعد تجنسهم بالجنسية الفرنسية.

واستنادًا إلى كتاب “جانين فيرديس لورو”: “فرنسيو الجزائر من 1830 إلى يومنا هذا” (Les Français d’Algérie de 1830 à aujourd’hui) يتبين أن “يهود الجزائر” أصبحوا فرنسيين منذ 1870 (إذ حصل آنذاك أكثر من 34000 يهودي على الجنسية الفرنسية) وأن تاريخهم يتطلب دراسة خاصة بحيث أن جميع الكتب التي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر تقول إن ماضي اليهود كان يسوده الظلم تجاههم وأنهم بدؤوا يرون النور منذ تطبيق مرسوم “كريميو” (« décret Crémieux »)   الذي أقره وزير العدل آنذاك والمكلف بالشؤون الجزائرية “أدولف كريميو” في 24 أكتوبر 1870 والذي وقع عليه كل من: “قامبيتا” و”كريميو” و”قلي بيزوان” و”فوريشون” وهو ثمرة أعمال ودراسات تم القيام بها خلال ثلاثين سنة في كل من فرنسا والجزائر وكانت العديد من المنظمات اليهودية في فرنسا قامت بإقناع العديد من الشخصيات السياسية وغيرها بضرورة تحرير اليهود من التظلمات التي عرفوها في البلدان الإسلامية والسماح لهم بالتعرف على الثقافة الفرنسية دون التخلي عن الثقافة العبرية. وكانت السلطات الدينية في الجزائر أول من استجابت لطلبهم خاصة وأن ثلة من يهود الجزائر أبدوا رغبتهم في أن يصبحوا فرنسيين وغربيين.

وتشير بعض الكتب التاريخية أن هذا الإجراء الذي خص اليهود كان نوعًا من “التلاعب” من قبل السلطات المستعمرة آنذاك في محاولة منها تطبيق سياسة “التفرقة” بين مختلف الأهالي لتسود، واستنادًا دائمًا إلى المصادر ذاتها فإن “يهود الجزائر” عندما طالبوا بتجنيسهم لم يفكروا قط بفصلهم عن العرب إذ أصلاً لم يكونوا قبل متحدين. وتقول “جانين فيرديس لورو” إنه منذ تحقيق لجنة إفريقيا التي أنشأها “لويس فيليب” عام 1833 تبين أن زعيم الأمة اليهودية أعلن أن السكان اليهود هم مستعدون للخضوع أمام القوانين المدنية الفرنسية. وكانت إقامة مجلس كنيسي في الجزائر عام 1847 مرحلة هامة في حياة يهود الجزائر حيث أبرز اندماج “يهود الجزائر” في عالم “العبرية الفرنسية”.

وتقول “جانين فيرديس لورو”، إنه استنادًا إلى العديد من المخطوطات العسكرية فإنه عندما دخل الفرنسيون الجزائر استقبل اليهود الفرنسيين وساعدوهم في كل من الجزائر العاصمة ووهران وأنه حسب تلك المخطوطات فإن ولاء يهود الجزائر العاصمة إلى فرنسا منذ الاحتلال عام 1830 كان مختلفًا ومتباينًا ففي كل من مدينة “بليدة” و”معسكر” وجد اليهود أنفسهم يدينون بالولاء للجيش الفرنسي خوفًا من عمليات انتقامية وكذلك لشراكتهم الاقتصادية مع فرنسا. ومع ذلك فإنه في مذكرة خاصة، تقول “كلير لالو” إن اليهود في الأغواط وقفوا مع الأهالي ضد فرنسا وأن النساء اليهوديات شاركن في تلك الانتفاضة بالنفس والنفيس.

إذن كيف يمكن تفسير ولاء اليهود لفرنسا بكل هذه السهولة؟ “جانين فيرديس لورو” تقول إن اضطهادهم في فترة الأتراك كان سببًا لهذا الولاء لكن إذا ألقينا نظرة على كتب “ليون بولياكوف” فإن هذا الأخير يؤكد على أن اليهود في المغرب العربي ولاسيما في الجزائر كانوا يتفاهمون جيدًا مع السكان الأصليين ومع السكان الآخرين إذا ما قارنا وضعيتهم في أوروبا المسيحية. أما “عبد العزيز فيلالي” فيقول في كتابه إن اليهود عرفوا معاملة حسنة من قبل المغاربة و”تمتعوا بالأمن والأمان وكرامة العيش يؤدون طقوسهم الدينية في معابدهم وبيعهم بحرية واحترام وهي حقوق التزم بها المسلمون ما دامت هذه الأقليات تدفع الجزية وكانت أخف الضرائب من التي كان المسلمون يدفعونها لدولهم”.

إضافة إلى ذلك، وخلال حرب الجزائر، تقول “جانين فيرديس لورو” إن أغلب “يهود الجزائر” أكدوا لجبهة التحرير الوطني (الأفلان) رغبتهم في البقاء في الجزائر حتى أن “فرحات عباس” رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة آنذاك أعرب عن رغبته في إبقاء الجالية اليهودية في الجزائر.

لكن البعض ربما يتساءل لما الحديث الآن عن “يهود الجزائر” ولماذا الآن؟

الجواب هو أنه في عام 2005 قام حوالي 200 يهودي يحملون الجنسية الفرنسية بزيارة مدينة “تلمسان” وعلى ما يبدو أن زيارتهم تلك أثارت تساؤلات عديدة في الشارع الجزائري، كما أنه في عام 2012، وصل وفد من اليهود في زيارة بغية “السياحة” إلى مدينة قسنطينة بعدما تحصلوا على تأشيرات منحتها لهم السفارة الجزائرية بباريس هذا ما أثار شكوكًا في نية هذه الزيارة. وفي عام 2014، قامت بعض الصحف الجزائرية الناطقة منها بالعربية تذكير حادثة اعتداء اليهود على أهالي مدينة قسنطينة يوم 5 أغسطس/آب 1934، فماذا حدث بالضبط في تلك الفترة؟ خاصة وأن بعض يهود الجزائر كانوا ساندوا الجزائريين خلال حرب الجزائر أمثال “حملة الحقائب” أو من كانوا في “شبكة جونسون” أو من كانوا ينشطون مع “أدولفو كامينسكي”.

يقول “عبد العزيز فيلالي” في كتابه: “اعتداء اليهود على أهل قسنطينة سنة 1934” إنه في عام 1933 قامت السلطات الفرنسية بغلق المدارس للتعليم العربي والمساجد القرآنية وكان توجه وفد من العلماء إلى باريس “لتبليغ الحكومة المركزية بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي تعيشه الجزائر” لكن وزير الداخلية آنذاك رفض استقبالهم هذا ما أدى إلى استقالة حوالي 1600 عضو مسلم في المجالس المحلية أدت بعدها إلى قيام مظاهرات واحتجاجات سلمية مساندة للنواب المسلمين، وكان علماء شاركوا في هذه المظاهرة في مدينة قسنطينة حيث كان اليهود لا يمثلون إلا نسبة 12 بالمائة من السكان إلا أن دورهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي كان معتبرًا وكانوا يعيشون في سلام مع المسلمين ولو أن البعض كانوا يعتادون بين الفينة والأخرى على الأهالي حتى أنه تم الاعتداء على الشيخ عبد الحميد بن باديس إلا أنه تكتم على هذا الاعتداء لكي لا يخلق التفرقة والشقاق بين الطائفتين المسلمة واليهودية. وكان عبد الحميد بن باديس وجه برقية للإدارة الفرنسية يندد فيها بمظالم الإدارة الفرنسية وخرج في مظاهرة نظمت في مدينة قسنطينة في 15 مايو/أيار 1934 للمطالبة بالعدالة والمساواة والحقوق كما أنهم رفضوا المشاركة في عيد الثورة الفرنسية الذي يصادف 14 يوليو/ تموز.

في ظل هذه الأجواء التي تسودها عدم المساواة بين الأهالي الجزائريين قام جندي يهودي يوم 3 أوت 1934 يدعى “خليفة إيلياهو” بالتوجه إلى مسجد “سيدي لخضر” بقسنطينة وكان في حالة سكر فأخذ بشتم وسب المصلين وتبول على حائط المسجد، فخرج حينها المصلون وحاولوا إعادته إلى رشده لكن دون جدوى بل أشرك جيرانه اليهود في هذا الاعتداء وأخذوا يرمون كل ما وقع في أيديهم من قارورات وأشباهها وحتى في إطلاق الرصاص.

وفي صبيحة 5 أغسطس/آب 1934 زادت الفتنة حيث بدأ يُشاع خبر مقتل مسلمين ثم ذبح يهودي وبدا أن هناك من أراد إشعال الفتنة بين اليهود والمسلمين فاندلع شجار بينهما وأخذ بعض اليهود في إطلاق الرصاص حينها خرج أكثر من 2000 شخص من الأهالي يحملون العصي والهراوات والسكاكين متجهين نحو نهج “فرانس” و”ناسيونال”، فأخذ اليهود بالهجوم على محلات العرب المتواجدة في أحيائهم وكان الرد بالمثل من قبل المسلمين الذين كسروا بدورهم محلات يهودية.

وهذه الأحداث كلها لا زالت تثير حفيظة الجزائريين إزاء بعض يهود الجزائر إلى يومنا هذا.