- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

اليونان : الـ “لا” الجيوسياسية

najat-charaf-dineنجاة شرف الدين
لم تفاجأ نتيجة الإستفتاء في اليونان على الخطة المالية للاتحاد الأوروبي بال ” لا” (61%)  ، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فحسب، بل فاجأت حتى اليونانيين أنفسهم، الذين صوت 85% من شبابهم بلا مدّوية تأييداً الى جانب رئيس الوزراء اليوناني آلكسيس تسيبراس  .
كثيرة هي التحاليل التي تناولت الأزمة الأقتصادية والمالية اليونانية ، والنتائج التي أدت إليها ، وكثيرة هي القراءات التي تفاوتت بين كبار الخبراء الذين دعوا الى الخروج من منطقة اليورو والعودة الى العملة المحلية أي الدراخما،  ومنهم جوزيف ستيغلتز وبول كروغمان ، وبين من دعا الى الالتزام بالخطة الأوروبية التي تضمن بقاء اليونان في القمر الأوروبي، ولو على حساب التقديمات الإجتماعية وزيادة الضرائب والمزيد من التقشف التي يفرضها الدائنون .
ال “لا”  اليونانية دوَّى صداها في كافة أنحاء أوروبا والعالم، حيث استفاقت أحزاب اليسار من كبوتها وأطلقت نداءها الداعم لليونانيين في تصويتهم عبر تظاهرات تأييد، كما أثارت اللا اليونانية النقاش حول نتائج ما حصل على الدول التي تعاني من أزمات مالية وإقتصادية في منطقة اليورو .
صحيح ان اليونانيون اللذين قالوا ” لا ” واحدة عبّرت عن أكثرية واسعة 61% مقابل 39% ، إلا أن القراءة المتأتية تشير الى ثلاث فئات من المقترعين كل لأسبابه، ولو أجمعوا على هدف واحد . فمنهم من صوّت ضد سياسة التقشف  والخطوات الضرائبية الجديدة التي سيتم فرضها على اليونانيين مما سيزيد الفقر والبطالة ولن يعالج الأزمة المالية والاقتصادية في وقت قريب . أما الفئة الثانية ولا سيما في مناطق الجزر السياحية، فصوتت ضد الضرائب التي ستفرض على الجزر مما يؤدي الى تراجع الحركة السياحية ، أما الفئة الثالثة فهي صوتت للأمل والحنين الى الدراخما التي من الممكن ان تعيد إليهم إمكانية معالجة مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية، وهي الفئة التي تعتبر أيضا ان إنتماءها لحلف الناتو لم يقدم لها شيئا وهي اليوم تفتح الباب أمام أصدقاء جدد، وقد سارعت روسيا والصين لإبداء الدعم لليونان في أزمتها، وهو ما فتح النقاش أيضا حول إمكانية فتح نوافذ ضمن تحالفات جديدة ومنها مجموعة البريكس التي تجتمع الأسبوع المقبل نظرا لأهمية موقع اليونان الجيوسياسي، وهو ما يعبر عنه بعض المحللين اللذين يَرَوْن أن لا مانع من منح روسيا موقعا عسكريا في إحدى الجزر اليونانية.
اللا اليونانية أثارت الاتحاد الاوروبي وعلى رأسه ألمانيا، وتركت تداعيات مباشرة في دول اتحاد اليورو ومنها فرنسا ، التي أشار استطلاع للرأي الى أن 50% من الفرنسيين يؤيدون الخروج من منطقة اليورو، كما تصاعدت الأصوات في غير دولة باتجاه إصلاحات محددة، وعلت أصوات اليسار الأوروبي المهنئة لليونان . إنتصر تسيبراس، وقدم ورقة حسن نية باستقالة وزير ماليته بأنيس فاروفيكس المكروه من المفاوضين الأوروبيين، رغم شعبيته لدى اليونانيين، على أمل أن يقوم الأوروبيون بخطوة مماثلة عبر شطب جزء من الديون وزيادة آجال التسديد لسنوات أطول وغيرها .
اليونان فتحت الباب واسعا أمام نقاش مالي إقتصادي كما سياسي ، وشكلت محطة هامة في التغييرات التي يمكن أن تطرأ،  مما يشير الى أن  ما بعد استفتاء اليونان لن يكون كما قبله …