- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

ظريف الجمهورية المُخصّب

najat-charaf-dineنجاة شرف الدين

ربما تكون الساعات الطويلة التي أمضاها ” الصديقان ” وزير الخارجية الإيراني محمد جواد طريف ووزير الخارجية الأميركي جون كيري في الجلسات التي جمعتهم في جنيف، قد سمحت للرجلين ببناء علاقة تقارب شخصية مما جعلهم ينادون بعضهم باسمائهم الأولى ، أي جون وجواد ، مما كسر رتابة المفاوضات التي جمعتهم وسمحت بتبادل النكات فيما بينهم ، إلا أنها لم تستطع أن تغير في إحترام الوزيرين لبعضهما البعض، ولم تستطع أن تجعل أيا منهم يتراجع عن ثوابته في التفاوض رغم حصول أكثر من 23  إجتماعا.
العلاقة التي بُنيت مع الوقت بين الرجلين ، وأدت الى تحقيق إنجاز الإتفاق حول البرنامج النووي الإيراني الشهر الماضي ، فتحت الباب واسعا أمامهما لدخول التاريخ ، وربما سمحت أيضا بترشيحهم لجائزة نوبل للسلام في المستقبل .
لا يخفي الوزير كيري إعجابه بنظيره الإيراني الذي يصفه ب ” المفاوض القوي والقادر والوطني ، الرجل الذي يقاتل حتى آخر نقطة من أجل ما يؤمن به . كنّا قادرين على التقارب مع الاحتفاظ بالاحترام المتبادل حتى في الأوقات التي شهدت حماوة في النقاش، وكان أحيانا يوافق معي وفي نهاية كل اجتماع كنّا نضحك ونبتسم ونوجه الاتهامات ولكن نعود ونكمل عملنا ” .
دبلوماسية الابتسامة التي يبرع في ممارستها الدبلوماسي الشاب ظريف  ،البالغ 55 عاما،  كانت جزءا من جواز مروره مع الأميركيين والأوروبيين ، كما أن لغته الإنكليزية الممتازة ، وهو الحائز على شهادة دكتوراه في القانون الدولي من جامعة دنفر ، شكلت خطاً عسكريا أحيانا في مروره لدى المسؤولين الأميركيين، منذ كان دبلوماسيا في الأمم المتحدة وبعدها سفيرا أيضا في المبنى الأممي ، مما سمح له ببناء جسور مع المجتمع الدولي رغم العقوبات الدولية المفروضة على إيران .
صحيفة التلغراف التي كتبت مقالا حول العلاقة الخاصة التي تجمع جون كيري ومحمد جواد ظريف ، نقلت عن الخبيرة في الشؤون الإيرانية في معهد بروكينغز، سوزان مالوني ، وصفها للوزير ظريف ب ” اللمّاع ” الذي ” يملك القدرة على بيع السياسات التي تشكل مشكلة أساسية من وجهة النظر الأميركية ، بطريقة تبدو مقنعة تماما وجذابة أيضاً “. أضافت مالوني ” من الخطأ الإعتقاد بأنه، أي ظريف ، بمعنى ما أكثر أميركية منه إيرانية ” قائلة ” هو بالتأكيد صنيعة الجمهورية الإسلامية ، وليس مصادفة سعيه للحصول على هذا الموقع الرفيع في هذا الوقت الحاسم ” .
مما لا شك فيه أن شخصية الرجلين كيري وظريف وإصرارهما، ساهمت بشكل كبير في تسهيل إنجاز الاتفاق، وهو ما بدا واضحا عندما تعرض كيري لإصابة في رجله أثناء قيادته دراجته الهوائية وإستدعت نقله للمعالجة، إلا أنه كان حريصا على العودة فيما بعد، على عكازين،  لإتمام الاجتماعات، وَمِمَّا لا شك فيه أيضا أن إرادة رئيسيهما باراك أوباما وحسن روحاني بإنجاز الاتفاق شكلت العامل الأساس في جعل هذا الاتفاق ناجزا ، إلا أن كلاهما حصل في المقابل على ما كان يبحث عنه . فالوزير الأميركي دخل نادي الدبلوماسيين الأوائل، بعدما كان فشل في مهماته السابقة عبر وساطته في مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية بسبب رفض رئيس الوزراء الأسرائيلي تجميد ملف الاستيطان ، أما ظريف القريب من جيل الشباب من خلال إستخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي والمتفهم والفاهم للعقلية الغربية ، فدخل الى طهران كالفاتحين عندما تم إستقباله بطلا بالتظاهرات السيارة ورُفعت صوره وأُطلقت الشعارات والهتافات المؤيدة له، بعدما كان تعرّض لحملة من المحافظين الذين إتهموه بالتنازل للغرب .
على الرغم من غياب الوزير الإيراني ظريف في بداية الثورة الإسلامية عن طهران بسبب تواجده في الولايات المتحدة لإتمام دراسته، وعلى الرغم من محاولته توجيه الانتقاد غير المباشر للرئيس الإيراني  السابق أحمدي نجاد بسبب سياساته، إلا أنه كان معروفا بإيمانه الديني العميق ، وهو ما بدا من خلال مقاطعته لجلسات التفاوض عند حلول موعد الصلاة ليعود بعدها قائلا لفريق المفاوضين ” أخاف فقط من قوة واحدة حقيقية ” في إشارة تحمل في طيّاتها أكثر من معنى الله …