- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

قصف دوما وقصف دمشق والصحافة بينهما

BT 2015نقطة على السطر

بسّام الطيارة

يعيش العالم العربي وضعاً مزرياً لم يشهده منذ مئات السنين، رغم أن أنترنيت يصل إلى المنازل والهواتف الذكية منتشرة بين الأيدي، ونسبة كبيرة من أهل البلاد العربية متواجدة على مواقع التواصل الاجتماعي وإن كانت معظم المساهمات من أجل تبادل الشتائم أو تأطير النرجسية أو فش الخلق السياسي. مع كل هذا فإن نسبة العطالة عن العمل تتجاوز الـ ٣٦ في المئة (إذا وضعنا جانباً الدول التي تدور فيها معارك وحروب أهلية-سوريا واليمن وليبيا والعراق- عندها ترتفع هذه النسبة إلى ما يزيد عن ٥٠ في المئة).

في ظل هذه اللوحة السوداء نقف لنسأل عن دور الصحافة ليس في معالجة هذا الواقع المأساوي ولكن (على الأقل) القيام بدور إعلامي بشكل يوضح «كل» ما يحصل وينقل «كل» المواقف و«كل» وجهات النظر، من «كافة» الجوانب و«كل» مواقف وأفعال «كل» المتقاتلين واللاعبين الأساسيين في مصير شعوبنا.

هل يحصل هذا؟

إلقاء نظرة «شاملة» على الصحافة العربية اليوم تبين لنا بأن الصحافة (ما عدا قلة قليلة جداً) باتت مصطفة في خطين متوازيين لا تلتقي أخبارهما البتة. وبالطبع الصحافة «الغنية» تأتي في مقدمة الاصطفافين هذين. وبالتالي فإنه (وللأسف) نرى أن نتاج الزملاء الصحفيين يأتي أيضاً في سياق هذا الاصطفاف، وإن كان الزملاء معذورين فلقمة العيش في الوسط الصحفي باتت مثل الأوكسيجين…كان يقال في السابق صحافة «مهنية». اليوم المعنى الأول للمهنية هو «تأمين وصول لقمة العيش». ولكن بوصول مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً فيسبوك، بات «اندفاع» الزملاء يكشف اصطفافهم أيضاً بعيداً عن الضرورات المعيشية إلا إذا كان هؤلاء يسترضون أصحاب الوسائل الإعلامية لتثبيت مواقعهم فيها.

من هنا يضيف بعض الزملاء الصحفيين إلى جانب توصيف «مهني» بأنه أيضاً ملتزم (!) : هذا ملتزم دينياً، وذاك ملتزم قومياً، هذا مع المقاومة، وذاك ضد الفرس، هذا مع أميركا وذاك ضد الرجعية، هذا ضد حزب الله وذاك ضد آل سعود، هذا مع قطر وذاك مع مصر.. أي أن «الالتزام» بات مرآة واقعنا العربي ومن دون بحث وتدقيق فنرى أن الالتزام منقسم إلى خطين متوازيين أيضاً، يتبعا خطي انقسام عالمنا العربي.

يدفع هذا إلى البحث عن توصيف جديد لمثالية الصحافة وعمل الصحفي: أقترح توصيف «علمي». إذ أن العلمي يبتعد عن العواطف والأهواء ولا ينساق وراء التكتلات الجماعية بل يحذوه فقط البحث عن الحقيقة العلمية.

في الأيام الأخيرة من تلك الحقبة السوداء الملئة بالأخبار السوداء جاءت مجموعة أخبار من سوريا الجريحة لتبرز واقع الاصطفاف المتوازي الذي (بعكس ما يعتقد كل من المصطفين في الخطين المتوازيين) لا يخدم السلم ولا السلام ولا يخرج سوريا من أتون هذه الهمجية التي تهدر أرواح أخواننا السوريين.

قصف طيران النظام السوري دوما فحصلت مجزرة أدت بحياة ما يزيد عن ١٠٠ مدني. قبل أيام قصفت المعارضة دمشق فحصلت مجزرة أيضاً ذهب ضحيتها عشرات القتلى.

الصحافة انقسمت حول هذين الخبران: الذي ذكر قصف طائرات النظام لم يذكر إلا بكلمات بسيطة قصف ساحة دمشق، والذي أشار إلى قصف دمشق لم يذكر عدد قتلى قصف دوما.

يعتقد كل من الفريقين الذيّن يتبعا كل منهما خطه الموازي للخط الآخر،  أن هذا الانحياز يخدم الفريق «المتلقي» لوسيلته الإعلامية.  هذا في الواقع ليس إعلاماً ولكنه «إشباع قراءهم بما يحلو لهم سماعه أو قراءته أو مشاهدته».

هذا الانحياز المزدوج لن يساعد على إخراج سوريا (أو البلدان العربية الأخرى الواقعة في مستنقع الحروب الأهلية) من دائرة الحرب. إذ أنه لن يوجَد من يقول للنظام أوقف الضربات الجوية على دوما أو يقول للمعارضة كفي عن قصف دمشق. وفي هذه الحالة يكون الزملاء الصحفيين وكأنهم يساهمون في تأجيج الصراع وصب الزيت الإعلامي على نيران التقاتل الانقسامي.