- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

من عقدة اﻹخصاء إلى أحضان الجلاد

سميا فارس
اجتهد الكاتب معمر عطوي في مقاله الأخير “الشعب اللبناني وعقدة استوكهولم” الذي نشر على هذه الصفحات، في توصيف أحوال “المجتمع” اللبناني وعاين إصاباته المرضية المزمنة، معتمداً على أهمية المقارنة بين اﻷسباب العديدة التي أوصلت هذا “الشعب” إلى هذه المرحلة الرديئة والمعقدة من المرض المستعصي،  و”عقدة استوكهولم” النفسية،  كعامل محفز للتبصر بمدى خطورة الوضع المميت لحال من لا يزال يعتبر أن هذا البلد وطن نهائي ﻷبنائه كافة.
وتنعقد المقارنة مع هذه العقدة المذكورة على تماهي الضحية بجلادها إلى درجة العشق الخفي حتى الالتحام به، والايمان بأحقية مشاريعه ونزاهة وسائلها، تطبيقاً لقواعد مكيافيللي المفصلة بإسهاب في مؤلفه “اﻷمير”. ولا ريب في أن معظم جلادي هذا “المجتمع” ينهلون من هذا المعين باستثناء العمل من أجل بناء مجتمع آدمي كريم.
تلتحم الشرائح اللبنانية بجلاديها بلا أي تردد، وذلك من شدة خوفها ورعبها من هذا “القادر والنافذ” من إلحاق شتى أنواع اﻷذى والضرر بها وبأسرها، مصدقة وهم إمكان انبعاث قول الملك الفرنسي المعروف بأنه” ظل الله على اﻷرض” وبأمره تشرق شمس أمنه على رعاياه!

لقد أصاب الكاتب مكامن اﻷمراض النفسية التي تتناتش كفاءات عقل هذا “المجتمع” وتعبث بأهليته اﻷدبية والسياسية والأخلاقية. وقد حولته “فحولة ثيران” حلبات السياسة المتحالفة، تاريخياً، مع كلابات المشاريع الغنائمية، ناهيك بالقطاعات الحيوية اﻷخرى، إلى آلة مبرمجة لا تعمل إلا بتوجيهه وإيحاءاته.

إذن والحال على ما تم توصيفه، يمكن الاستنتاج بأن هذا المدعو خطلاً بـ”الشعب” إنما تقوده غريزة بقائه إلى هذا النمط من التماهي بجلاده، إيغالاً بجلد نفسه وكيانه، إما انتقاماً من عجزه عن المطالبة بعيش ديموقراطي كريم، أو تخففاً واستقالة من أعباء المواجهة والتراخي واللامبالاة تجاه هذه الحقوق والقيام بواجباته على اﻷصعدة كافة.

لهذا وبعد التمارين الشاقة والباهظة اﻷثمان التي سبق لهذا “الشعب” أن زُجّ بها، عبثاً، في أتون حروبها اﻷهلية، صغيرها وكبيرها، نجحت في تدجين اﻷجيال المتتالية بامتياز منقطع النظير، معتمدة على عقدة نفسية أخرى يجفل منها أي حيوان من سلالة البهائم، فكيف بمن هم من سلالة البشر، ألا وهي عقدة اﻹخصاء؟
بناء عليه، تصبح مقاضاة “الشعب” غير منتجة لكونه فاقداً لمؤهلاته الفكرية-القانونية ولمؤهلاته القياسية في محاكمة الفاسدين والمفسدين. وقد أضحى هو شريكهم في تدوير مشاريع الفساد واﻹفساد من خلال العمل “التسويقي و اﻹبداعي” القائم على استشراء ذهنية الربح المادي السريع والبحت، من أجل تحقيق أكبر قدر من المتع المجانية واﻷنانية ولو على حساب هذا “الشعب”. “شعب” تحول إلى حالة  خواء وهمية بعد انشطار كتلة مطامع اﻷحلام السعيدة في تحقيق مباهج  الحياة اللحظوية وانتشارها إلى أقصى مكونات “المجتمع” اللبناني…
لقد تخطى الفساد طبقة المسؤولين وطال المرؤوسين وأصبحنا في حال من انسجام وتناغم لا شائبة تدل على سوءه. وقد تم إسكات من حاول التمرد والمحاسبة، إما بتهديده بالقتل والتشهير، وإما بقطع مصادر عيشه وتشتيت أسرته…
يمكننا القول، إن روح العبث تسود زمننا الحاضر وهو ما يحول دون القدرة على مقاضاة عيون اﻷشرار بمخرز القانون، أي اﻹتفاق اﻹصطلاحي الذي يمنع انقضاض بعض الذئاب على بعضها اﻵخر!
لقد تحول الفساد واﻷنانية من حالة استثنائية إلى حالة دائمة ومقبولة، بل صارت نموذجاً تستلهمه اﻷكثرية من دون حرج!!
يبقى القول في المفصل الذي لا يريد ضمير المصلحين الاعتراف به، وهو أن هذا” الشعب” لم يعد شعبًا ﻷنه وبكل بساطة، تحول نكوصًا إلى حالة ما– قبل المجتمعات الحديثة (التي لا تتراجع أمام استحقاق مؤهلاتها الحضارية)، إلى أكوام وشرائح مبتهجة بعبودية الشيخ والبيك والزعيم ( قد يصاب هذا نفسه بالغثيان من سلوكها الممل)… تحولها إلى حالة ينحصر أمر التفكير والتدبير بولي نعمتها الطائفي والمذهبي، فهو في نظرها، على كل شئ قدير في أمور دنياها وعند البعض بدنياها اﻷبدية، لهذا فهي لا تكبد نفسها جهدًا يطيح بأغلالها وعلة ارتهانها المطيع،  استرخاء وثغاء كأكباش العيد الهنيئة.