- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

لبنان: صحوة من ركام نفايات

Attwi 2015معمر عطوي

أثبت بعض اللبنانيين من خلال الحراك الذي شهدته ساحة الشهداء في وسط بيروت، السبت الماضي، أن هناك محاولات لانقاذ ما تبقى من هذا الوطن وشعبه قبل لحظات من دخول الكل في مرحلة انتهاء الصلاحية.

الزعماء من الدرجة الأولى (بكاوات، سياد، مشايخ، افندية، أساتذة، قادة وأمراء، وأمراء حرب الخ..)، انتهت صلاحيتهم منذ زمن طويل. أما الزعماء من الدرجة الثانية والذين هم في الدولة رؤساء ووزراء ونواب وموطفون من الفئة الأولى، فلا أظن أن ممارساتهم تؤكد صلاحيتهم للعمل في مناصبهم، إن كان من حيث الآداء أو من العمل المطلوب مقابل ما يُصرف من اعتمادات مالية، أو من خلال الخضوع للعبة التداول السلمي للسلطة وسوء ممارستهم للديموقراطية.

هؤلاء الذين يجلسون على كراسيهم الى درجة الشعور بأنهم ملتصقون بها، قد أصابهم العفن والصدأ وباتت مؤخراتهم جزءاً من كراسيهم التي هي في الأصل عليهم فضفاضة، ولا تليق بقدراتهم وامكانياتهم العملية.

إذاً نحن أمام طبقة سياسية وإدارية حاكمة بقوانين وراثية قديمة متهالكة تكرّس الاستبداد والبقاء في السلطة رغماً عن إرادة العديد من الناس، ونكاية بكل قوانين وأعراف الدولة المدنية العصرية التي نرجوها.

أما الشعب العنيد الذي لا يغّير نظرته للطبقة الحاكمة، فهو أيضاً منته الصلاحية، لأنه يسكت عن هذا الفساد رغم معرفته بتفاصيل السرقات وعمليات الاختلاس التي يتشارك بها كل من هم في هذه الطبقة، وكل من يغطيهم ويسكت عن فسادهم وكل من يشاركهم في السلطة ويتآمر على مصادرة مؤسسات الدولة وينال من كرامة وحقوق الفقراء.

قلة قليلة حاولت إزالة الصدأ عن ذهنيتها والحفاظ علىى ما تبقى من مدة صلاحية، نزلت الى الشارع وقد قتلت كل “المقدسات” التي وضعها اللبنانيون كآلهة من تمر يعبدونها ويدافعون عنها كما أنها هي الرزاق الوهاب.

مع ذلك، لا يزال الكثير من هذا الشعب يفضل البقاء في مستوعبات عدم الصلاحية، فلا هو قادر على نقد الزعيم- الاله، ولا هو قادر على مخالفة أوامر الحزب، أو القبيلة أو العشيرة أو “كراز” الطائفة.

من نزل الى ساحة الشهداء يوم السبت هم قلة قليلة نسبة الى من نزل الى الشارع يوم مقتل رفيق الحريري، أو يوم التظاهر لـ”شكر سوريا”، أو في أي تظاهرات او تجمعات تتميز بالتحريض المذهبي والطائفي.

لكن رغم كل هذا المناخ، هناك من نفض عنه عفن انتهاء الصلاحية وجدد لنفسه مواطنيته الأصيلة فنزل إلى الشارع متحمساً للتغيير، غير آبهٍ بما قد يتخذه حزبه من قرار بحقه، أو بما تتهمه به جماعته من خيانة او عمالة او خرق لـ”وحدة الصف”.

هناك من وصل الى قناعة ان كل الوزراء والنواب فاسدون، بمن فيهم من يرفع شعار المقاومة، لأن هذا الشعار بات شماعة يعلقون عليها تقصيرهم وفسادهم ومشاركتهم الآخرين في تقاسم الجبنة، اضافة لارسال أولادنا نحو معارك ليست معاركنا فيعودون منها محملين بنعوش، وهذه الحروب العبثية لا تخدم الا اسيادهم في الخارج، وهي ضد منطق الدولة واحترام مؤسساتها بشكل كامل. بيد ان المفارقة هي أن هذا البعض ظل يستثني الزعيم من حملته على الفساد، وكأن المسؤولين يعملون بعيداً عن عين الزعيم ومعرفته؟!!. وان كانت هنا الخطوة ناقصة، لكن يمكن القول إن الفصل بين الحزب والزعيم قد يكون خطوة نحو تهفيت الزعامة في المرحلة المقبلة. وهذا هو المطلوب من الحراك الذي لا بد أن يسير من خلال خطوات تدريجية وحضارية وسلمية حتى يستمر وينجح في تعبئة الجمهور.

ربما لم يكن الشعب اللبناني بحاجة الى طمره في الزبالة حتى يتحسس آلامه ومعاناته. لكن في أي حال جاء تحرك السبت ليؤكد أن بالإمكان تمديد صلاحية بعض الشعب النظيف الذي لم يتلوث أو الذي يحاول نفض التلوث عن ذهنيته، على طريقة أن نلقي حجراً في الماء الراكد قد يكون سبباً لتدفق الأنهار.

وطبعاً ان نضيء شمعة في الظلام خير من لعنه. لذلك لا بد من توجيه تحية لكل من شارك في الحراك الشعبي أو تضامن معه أو بات يؤمن بصحة التغيير وجدواه. تحية الى جماعة #طلعت_ ريحتكم” ورفيقاتها والى كل مواطن يكسر عنق “المقدسات” ويسير للبحث عن وطن نظيف طويل مدة الصلاحية.