- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

لبنان : زعزعة الهيكل دون سقوطه

najat-charaf-dineنجاة شرف الدين

كثيرة هي القراءات التي تفاجأت بالمشاركة الواسعة التي حصلت في تظاهرة التاسع والعشرين من شهر آب في ساحة الشهداء ، وكثيرة هي التحاليل التي تحدثت عن إرتفاع مستوى الإرباك لدى القيادة السياسية وعلى رأسها الحكومة ، بعد الإحتجاجات التي عمّت الشارع، وبعد سلسلة الخطوات الفاشلة التي حاولت الحكومة القيام بها من أجل معالجة أزمة النفايات ، والتي بدأت كرة ثلجها تتدحرج لتهدد أُسس النظام السياسي القائم.
صحيح أن الشعارات التي رُفعت في تظاهرة السبت الماضي ، طالبت بإسقاط النظام السياسي ، وبانتخابات نيابية ورئاسية ، وصحيح أن المطالَب الحياتية لم تتعد الحد الأدنى من  حقوق المواطن في أي بلد ، وهي تأمين الكهرباء ، بعد خمسة وعشرين عاما على نهاية الحرب الأهلية ، وإيجاد حل للنفايات المتراكمة في الشوارع ، وتأمين المياه غير الملوثة في بلد من المفترض أن يكون من أغنى بلدان المنطقة بثروته المائية ، إلا أن الصحيح أيضا أن المشهد الجامع لكل اللبنانيين ، والخارج عن الإصطفافات السياسية بين الثامن والرابع عشر من آذار ، قد أحدث هزة ، بقيت نتائجها طفيفة حتى اللحظة ، في بنية التركيبة الطائفية والتقاسمات والمحاصصة السياسية التي تكرست منذ إتفاق الطائف .
هذا المشهد في ساحة الشهداء ، زاد الحكومة إرباكا وهي إستمرت في عطلتها، بغياب الدعوة الى جلسات لمجلس الوزراء وإقتصرت المعالجة على تكليف الوزير أكرم شهيب بملف النفايات بدل الوزير محمد المشنوق، والذي طالب المتظاهرون باستقالته .
ووسط هذا المأزق الذي غرقت فيه كل القوى السياسية ، سحب رئيس مجلس النواب نبيه بري ، أرنب الحوار من جيبه ،عندما أعلن من النبطية في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، عن دعوته لعقد جلسات حوار سياسي بين رؤساء الكتل النيابية حول ملفات حددها بالرئاسة ، وآلية عمل مجلس الوزراء ومجلس النواب ، وقانون الانتخاب وقانون إستعادة الجنسية ودعم الجيش والقوى الأمنية . هذه الدعوة شكلت قارب نجاة إلتقطه الجميع ، وبدأت المواقف المُرحبة تتوالى من مختلف الأطراف وعلى رأسهم حزب الله والنائب وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري والوزير سليمان فرنجية، والكتائب وحتى القوى الأخرى التي أرجأت الإعلان عن موقفها قالت إنها بصدد دراسته، مما يعني عدم الرفض في المبدأ . فما الذي جمع كل هذه القوى المتنافسة على ملفات سياسية أساسية، وجعلها تتفق على الجلوس الى طاولة الحوار بعد أن فشلت على طاولة مجلس الوزراء ؟
ربما تكون الإجابة الأبسط هي أن ” المصيبة”  أو المأزق الذي يشعر به الجميع قد جمعهم ، وهم بحاجة الى مخرج من هذا النفق الذي أَدخلوا أنفسهم فيه ، وربما الحراك الشعبي قد زعزع هذا الهيكل الطائفي بكل مكوناته وشكل خطرا على المصالح السياسية المتُجذرة في النظام السياسي اللبناني لكل منهم ، فجاءت هذه الدعوة الحوارية كمحطة لإلتقاط الأنفاس  في الوقت الضائع ، في انتظار مرحلة تطبيق الإتفاق النووي وتداعياته على الملفات المذكورة في جدول أعمال الحوار الذي دعا إليه الرئيس بري .
مما لا شك فيه أن المشهد الجامع للبنانيين في ساحة الشهداء شكل هزة لبُنيان هيكل النظام السياسي دون أن يزلزله ، وَمِمَّا لا شك فيه أن العديد من أعمدة هذه السلطة السياسية قد بدأ فوراً بإعادة ترميم ما تم زعزعته عبر الحراك الشعبي ، إلا أن الهزات الإرتدادية إذا ما إستطاعت الإستمرار،  ستُحدث تصدعات من الصعب ترميمها من دون إسقاط الهيكل …