بسّام الطيارة
رويداً رويداً بدأت تتكشف «محاسن اللاجئين السوريين». الأرقام بدأت تخرج من فرنسا من أفواه الأخصائيين من اقتصاديين وأكاديميين. هذه الأرقام لونت بألوان صيحات التنبيه وكأنها إنذارات للمسؤولين العاكفين عن استقبال اللاجئين وخصوصاً السوريين. تنبيهات تشير إلى ألمانيا وتدور حول «كفاءات السوريين» الذين تستقبلهم الجارة الكبرى الأقوى اقتصادياً.
أعلنت ألمانيا انها مستعدة لاستقبال ٨٠٠ ألف لاجئ هذه السنة. حاجج المعلقون الفرنسيون بأن تراجع ديموغرافية ألمانيا وراء هذا «الكرم» إذ يتوقع الخبراء أن يهبط عدد الألمان حوالي ١٠ ملايين نسمة بعد عقدين، ومن هنا ضرورة ضخ مجموعات سكانية للحد من هذا التراجع الذي يهدد أيضاً موازين الضمان الاجتماعي، إذ كما هو معروف فإن اليد العاملة اليوم ستؤمن أموال المتقاعدين غدا.
بعد مرور فورة الأسابيع الأولى والغوص في تفاصيل الاستمارات التي ملأها اللاجئون للحصول على أوراق اللجوء والمساعدات تكشفت تلك الأرقام التي «أيقظت حمية» الخبراء الفرنسيين: ٣٦،٩ في المئة من اللاجئين السوريين يحملون شهادات عالية ولهم كفاءة اختصاصية، و٣٣ في المئة لهم كفاءات مهنية تحتاجها الماكينة الاقتصادية الألمانية، وهم حسب التقارير الألمانية «يستطيعون أن يندمجوا في المجتمع الألماني خلال أقل من سنة» (بعض التقارير ذكرت ٦ أشهر).
وكشفت هذه الاستمارات أن «الخلية العائلية السورية المهاجرة» متطورة اجتماعياً بشكل متقارب للخلية الألمانية ونواتها رباعية (أب وأم وولدين) وفي بعض الأحيان خماسية أو سداسية. كما أن «هاجس تعليم الأولاد» هو الدافع الأول الذي يقدمه الأهل عند ملء الاستمارة، وأن مستوى تقبل الأطفال وقدرتهم على الاستيعاب «عالية جداً». وأن الرجال والنساء مستعدين للخوض في مجال العمل «فوراً»
أما من الناحية «الدينية» فإن إحصاءات «غير معلنة ومبنية على ملاحظات الموظفين المكلفين بتسجيل اللاجئين» تشير إلى أن «نسبة المتشددين دينيا هي أقل من ٩٪» ،أن اختلاط اللاجئين مسيحيين ومسلمين ملموس ولا ولا يحمل أي تنافر. أضف إلى أن ألمانيا بخلاف فرنسا لا تشدد على العلمانية كأساس للنمطها الاجتماعي ودستورها يحمي الحريات الدينية وحرية ممارسة الشعائر الخاصة.
ونشرت «منظمة التعاون والتنمية» (OCDE) تقارير تفيد بأن «عبء استقبال اللاجئين على الدول يمكن استيعابه بأقل من ٤ سنوات» وأن اندماج اللاجئين في الدورة الاقتصادية وتنشيط دينامية النمو يمكن أن يكون عامل إثراء يعادل أضعاف المبالع المستثمرة في عملية دمجهم.
قد تفسر صيحات هؤلاء الخبراء إعلان باريس نيتها استقبال ١٢ ألف لاجئ بعد تردد طويل. ولكن مقارنة الصحف الفرنسية الـ ١٢ ألف بـ ٨٠٠ ألف يدل إن لزم الأمر على أن الأمور في فرنسا تتجاوز مسألة المنفعة الاقتصادية، وأن التوجه اليمني الحالي للمجتمع الفرنسي وضعف اليسار الفرنسي يدفع إلى الواجهة «الخوف من المهاجرين» ويكبل القرارات الضروري رغم تنديد الخبراء بهذه السياسة «قصيرة النظر».
كانت فرنسا حتى الأمس القريب قبل صعود اليمين «الوجهة الأولى للمهاجيرن وطالبي اللجوء» في العالم وجاذبيتها تحاكي جاذبية أميركا، وهي استفادت كثيراً من «تطعيم» سكانها بدم جديد من المهاجرين (الروس والبولونيين و الإيطاليين والبرتغاليين والمغاربة ثم الأفارقة…) قبل أن تتقوع على نفسها بفعل تصاعد النزعة اليمينية التي داست على مبادئ فرنسا التي روجت لها الثورة منذ ١٧٨٩. بالمقابل فإن أميركا تدرك المفعول الإيجابي للهجرة ويرى الخبراء أن «قوة أميركا الاقتصادية نابعة بشكل أساسي من توازن هرمها السكاني المبني على وفود المهاجرين».
ألمانيا فهمت الدرس، فيما فرنسا تتناسى المنفعة التي قطفتها عندما كانت قبلة المهاجرين.