- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

مفاوضات بغطاء “الاستكشاف”

زاوية حادّة

حسام كنفاني

في خضم الانشغال العربي بتطورات الربيع، وخصوصاً في سوريا، لا يلتفت الكثيرون إلى مسارات مغلقة تُفتح على الهامش من دون الكثير من الضجيج الإعلامي. المقصود هنا مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، التي عادت إلى الدوران بالسر والعلن تحت غطاء مسمى جديد عنوانه “الاستكشاف”، لكن الجوهر واحد.
عنوان التفافي لرفع الحرج عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي لا يزال يرفع الشروط نفسها لاستئاف المفاوضات، لكنه في الوقت نفسه يفاوض. مفارقة مثيرة للاهتمام في المشهد الفلسطيني مع بدء لقاءات عمّان، التي يرعاها الملك الأردني عبد الله الثاني واللجنة الرباعية الدولية. اللقاءات أصبحت ثلاثة، وهناك رابع في الطريق، ومع ذلك يشدّد المسؤولون الفلسطينيون على أن “الاجتماعات ليست عودة إلى المفاوضات!”
كلام مثير للسخرية لتوصيف واقع على غير حاله. فإذا لم تكن المفاوضات هي جلوس الطرفين على طاولة واحدة لتبادل الوثائق ووجهات النظر حول الحدود النهائية للدولة الفلسطينية والترتيبات الأمنية المرتقبة المرافقة لقيامها، ما هي المفاوضات؟ سؤال يطرحه الشارع الفلسطيني على نفسه، الذي يتوجه إليه المفاوضون في تصريحاتهم الهادفة إلى حفظ ماء وجه الرئيس الفلسطيني، الذي كان يقول إنه لن يعود إلى المفاوضات قبل وقف الاستيطان واعتراف إسرائيل بحدود العام 1967 كمرجعية للمفاوضات.
من المؤكد أن أياً من هذين الشريطن لم يتحقق، ومسار التوجه إلى الأمم المتحدة معطل بفعل اتفاق المجموعة الدولية، وبينها روسيا والصين، على تجنّب المواجهة في مجلس الأمن. وبناء عليه قدمت اللجنة الرباعية الدولية خطتها في 26 أيلول/ سبتمبر الماضي ببدء لقاءات تستمر ثلاثة أشهر للاتفاق على الحدود والأمن قبل الانتقال إلى مرحلة ثانية تعلن في نهايتها الدولة عبر التفاوض خلال عام. الخطة لم تسر كما كان المجتمع الدولي يريدها، فلا الفلسطينيين وافقوا على الدخول فيها من دون تطبيق شروط أبو مازن، ولا الإسرائيليين قبلوا بتقديم خشبة خلاص لعباس لإخراجه من طريق الأمم المتحدة المسدود. سجال استمر طويلاً، حاول خلاله الرئيس الفلسطيني تجربة طرق جانبية لم تصل به إلى أي نتيجة، ليعود في النهاية إلى الدخول في المسار الذي حددته الرباعية الدولية للتفاوض.
وبعدما كان الفلسطينيون يرفعون سابقاً تاريخ أيلول كمحطة مفصليّة في مسار إقامة الدولة الفلسطينية، بات اليوم تاريخ 26 كانون الثاني/ يناير موعداً مفصلياً جديداً، على اعتبار أنه يعني نهاية الأشهر الثلاثة التي حددتها اللجنة الرباعية. قراءة لا توافق عليها أطراف الرباعية، ومعها إسرائيل، التي ترى أن بدء حساب هذه الأشهر يجب أن يكون من تاريخ انطلاق اللقاءات، وليس مع إعلان الخطة.
بين القراءتين الفلسطينية والدولية، ترفع السلطة لواء الخيارات البديلة. خيارات غير واضحة المعالم، وتبقى أقل مما كان يريده الفلسطينيون من الامم المتحدة، وبالنهاية، قد تصل إلى طريق مسدود أيضاً. الموعد الجديد قد يكون خاضعاً للتمديد في إطار حل وسطي، تدفع الأردن باتجاهه.
دوامة المفاوضات انطلقت مجدداً، سواء بالاسم الصريح أو الاستكشاف، تتعدد الأسماء والمعنى واحد.