- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

مسرح: “يوناني يبحث عن يونانية”

GREC-CHERCHE-GRECQUEباريس – أوراس زيباوي (خاص)

“يوناني يبحث عن يونانية” عنوان المسرحية الجميلة التي قدمت أخيراً على خشبة مسرح Vingtième théâtre في باريس، وهي مستوحاة من نص روائي يحمل العنوان نفسه للكاتب السويسري باللغة الألمانية فريديريش دورينمارت 1920-1990 المعروف عالمياً بمسرحيته “زيارة السيدة العجوز” التي كتبها عام 1956 وترجمت الى العديد من لغات العالم ومنها العربية ضمن سلسلة “روائع المسرح العالمي” في مصر. وهذه المسرحية صارت من كلاسيكيات أعمال القرن العشرين ولم تفقد وهجها لأنها تفضح النظام الاجتماعي والسياسي العالمي القائم على السلطة والنفوذ المالي والفساد السياسي. أما نص “يوناني يبحث عن يونانية” فقد كتبه عام 1955، وهذه أول مرة يتحول فيها الى عمل مسرحي بفضل جهود المخرج والكاتب الروسي إيميل ساليموف Emile Salimov المقيم اليوم في باريس والذي أسس عام1994 فرقة اسمها “بين هلالين”، وهي فرقة تدعمها وزارة الثقافة الفرنسية وتعتمد على نصوص غير معروفة لكتّاب مكرّسين ومنهم الإيطالي جيوفاني بوكاسيو والتشيكي فرانز كافكا.

GREC-CHERCHE-GRECQU1في مسرحية “يوناني يبحث عن يونانية”، يروي الكاتب فريديريش دورينمات بأسلوب مميز وساخر قصة الموظف أرنولش أرشيلوكوس (وهو من أصول يونانية على الرغم من أنه لم يزر في حياته بلد أجداده) الذي يعمل كمحاسب ويعيش حياة متقشفة، وحيداً وفي عزلة اجتماعية، لا يشرب الخمر ولا يعاشر النساء، ويقدم راتبه الصغير الى شقيقه وعائلته التي تستغل سذاجته وضعف شخصيته لتبتزه ماليا.

في إحدى المرات، واعتماداً على نصيحة صاحبة المقهى حيث يتردد باستمرار، يضع إعلانا في جريدة يقول فيه إنه يوناني ويريد أن يتزوج ويبحث عن امرأة يونانية. بعد أيام، يصله رد على الإعلان ويتم اللقاء فتكون المفاجأة أن صاحبة الرسالة هي امرأة جميلة وشابة تدعى كلووي سلونيكي. ويتفق الاثنان على الزواج وعلى القيام بأول رحلة لهما الى اليونان.

غير أن مجموعة من المفاجآت تحصل لبطل المسرحية قبل زواجه، ومنها أنه فجأة يعين مديراً للشركة التي يعمل فيها. بعد هذا التحوّل، يصبح شخصية أخرى فيرتدي الأزياء الفخمة ويحييه الجميع بمودة واحترام. وأثناء حفل الزواج في الكنيسة، يكتشف بطلنا أنه وقع في فخ وأنّ كلووي هي، في الواقع، غانية ولها علاقات مع كبار أعيان المدينة، ومنهم رئيس الدولة، وبفضل علاقاتها تمكنت من إحداث كل هذه التغييرات في حياته. ويفكر البطل في الانتحار، لكن النصيحة تأتيه من رئيس الدولة الذي يقول إنّ كلووي احبته بالفعل وهي لم تخدعه، فلقد سئمت من حياتها كغانية، وعندما التقت به دهشت ببراءته وصدقه، وإنه الأمل الوحيد في هذا العالم الكاذب والفاسد. فيبدل بطلنا من رأيه ويقرر أن يهرب معها الى اليونان حيث سيمضيان شهر العسل ويتعرفان على أرض الأجداد.

اعتمدت المسرحية على ثلاثة عشر ممثلاً وممثلة أدى البعض منهم شخصيات مختلفة. وقد تميزت هذه المسرحية بروحها المرحة واعتمادها على مناخ الرقص والغناء الذي يستعيد أجواء الكباريه والسيرك وحفلات الإيماء والعديد من الألحان الرائجة التي يعرفها المشاهد ومنها أغنية “وداعا يا حبيبتي” للمغني اليوناني الراحل ديميس روسوس الذي كان صديقاً للبنان واللبنانيين. وذلك كلّه ضمن ديكور بسيط ومتقشّف.

على الرغم من استيحائها من نص كُتب في الخمسينات من القرن الماضي، فإنّ المسرحية تظل معاصرة لهمومنا وقضايانا، لأنها تكشف الفساد المستشري في المجتمعات والذي يطال جميع القطاعات والمسؤولين، وكيف أنّ المال هو المحرك الأساسي لكل شيء، فالنفاق والرياء يهيمنان على العلاقات بين البشر، ويبقى الخلاص الوحيد فقط في الحب الصادق البعيد عن الأنانيات والمصالح، كما حصل مع بطلي المسرحية كلووي وأرنولف.