- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

عند البطون تضيع العقول

د.حسان يحيى

الشراهة أو النهم سلوك مقيم ٌ في النفس يتعدى بطبعه ا لأكل. لكن الشراهة حيال الطعام بارزة للعيان. ارتأيت لمقاربتها، ابتداع شخصية مميزة، أسميتها : « الإستاذ غلطان ».

صاحبنا الإستاذ غلطان.. يغلط في كل شيء.. يجلس غلط، يدخن السجاير وا لأ ركيلة، ثقيل الهمة ولا يمارس الرياضة ولو البسيطة منها… سلوكه ضد صحته على مدار الساعة. لنتخيله اليوم يلبي دعوة للعشاء. وبالطبع، ستكون الوليمة عرمرمية وعلى قد ا لمقام..

جلس الإستاذ غلطان الى ا لمائدة في موقع اعتبره استراتيجياً، التقطت بوصلته مكان الطبق الرئيسي. فتحايل في اختيار مكانه أن يكون طبق اللحومات على مرمى يده اليمنى. اللحومات حبيبة قلب ا لإستاذ غلطان. فهو تعّلم منذ الصغر .. أن منّ يأكل منها الكثير .. ُيكافأ باللذيذ.. من الحلويات.. وبعد نظرة اجمالية الى الخيارات من أطباق ا لمقبلات والتوابل الشهية. أطمأن الى وجود كوب كبير وزجاجات والمشروبات الغازية،لأن الإستاذ غلطان يحب ارتشاف مجًة غازية بعد كل لقمة أو لقمتين. لم ينتظر اكتمال النصاب على ا لمائدة. فها هو يملأ صحنه ويعززه بما لذّ وطاب.. استبعد مؤقتاً بعض ا لأصناف.. تركها للجولة الثانية أو الثالثة.. سيقرر ترتيب تناولها لاحقاً .. وانشغل كعادته عن أصحابه وأحاديثهم بازدراد اللقمات بسرعة كبيرة دون علك ومضغ كافيين. ا لإستاذ غلطان لا يستطيع أصلاً تقطيع ا لأطعمة وطحنها، لأنه لا يهتم بصحة أسنانه. ولأنه تناسى أن الهضم يبدأ في الفم، وأن التأني بتذوق مكونات اللقمة يسمح للُعاب بلعب دوره الطبيعي والضروري في تفكيك مكونات ا لأطعمة.

وكان بين ا لمدعوين خبير في شؤون الناس علق على طريقة زلط الإستاذ غلطان للأطعمة قائلاً:«لكي تتعّودعلى المضغ البطيء والجيد للأطعمة،عليك بعد ادخال اللقمة الى الفم أن تعّد ا لأرقام بعقلك، الى العشرة مثلاً عندما تأكل الخضار، والى العشرين عند أكل اللحم، وبقدر ما تشاء عند علك اللبان..» واستمر ا لإستاذ غلطان في حشو معدته، ولم يتوقف عن زيارة ا لمائدة بعد انتهاء العشاء.. بعد أن حلّ زناره مدى حلقتين سامحاً لمعدته بالتمدد إذ أن الحشو أعاق  حركتها. وبعد استراحة قصيرة، جاء دور أنواع الحلويات… فناله منها نصيب عظيم… وبعد وقت غير طويل، شعر بنتائج ما فعل. وبدأت أثار ا لأكل العشوائي تظهر.. فبسبب زعزعة ساعة جسمه البيولوجية، أصيب صاحبنا بالتخمة، وصار يشكو من أعراض عسر الهضم من انتفاخ ومغص وقرقرة وغيرها من نتائج التخميرات المرضية.. فما كان منه إلا أن أُضطر الى ترك الوليمة على وجه السرعة… تحت وابل من النصائح من حوله : «لم اذا أكلت كذا.. ولم اذا شربت بعده ذاك .. أ لا تعرف سيئات إلتهام الطعام الكثير الدسم.. ولماذا شربت.. لماذا زدت ا لملح.. أ لا تعلم أنه كان من ا لأفضل، قبل أن تسكب ا لمزيد، ا لإنتظار ولو لدقائق .. مفسحاً المجال لكي تصل معلومات المعدة الإكتفاء الى دماغك، علّها.. تُقنعك بالشبع. فتنتصر بهذا على شهيتك ا لمفرطة». وتذكر.. أن ا لأجداد ا لأوائل كانوا يعيشون على الفطرة، يأكلون فقط عند الجوع.