- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

امرأة … وبؤس المهجر

linaلينا جزراوي

(رسالة من سطرين وصلتني من صديقة مغتربة ، فجّرت في داخلي هذا النصّ)
صديقتي العزيزة

توقفت كثيرا أمام ما كتبتيه حول العربي المُغترِب ، وأعدت القراءة أكثر من مرة وأنا أفكر كم أنتِ مُصيبة فيما ذهبت اليه ، ساعترِف لك من هنا ، من غُربتي التي طالما حلمت بها ،،،،،،،

عندما كنت أعيش في الشام كان حُلمي هو الخروج منها بأي طريقة نحو عالم واسِع أحلم فيه بالحُرية وبالرّاحة ،وكنت أنظر للانسان الاجنبي ، وكأنه كائن فضائي،لا يعرِف مُعاناتنا نحن أهل الشّرق لأنه ببساطة لم يَختبرها ، وكُنت أتساءل بيني وبين نفسي ؛ تُرى هل يملِك الأجنبي نفس الهواجِس التي امتلِكها !! هل يقلق مثلي على مُستقبل ابنائه !! هل يفكّر مرتين قبل أن يكتب فِكرة مُختلِفة عن السائِد !! هل يستيقِظ كل يوم مَذعورا من صوت المُنبّه ، مُغمض العينين، ومُنكمِش من شدّة البرد لينتظر على موقِف الباص لأنه لا يملِك أجرة التاكسي !! هل يقلق مثلي لأن الشاي قارب على الانتِهاء ،ولأنه لا يعرف كيف سيُعدّ وجبة مُغذية لأطفاله ،لا يمتلِك ثمنها !! هل تُرعِبه فِكرة أن عُلبة الحليب بقي رُبعها فقط !! وهل يَحمِل أطفاله في عزّ البرد ليرميهم في حُضن جارتِه العجوز التي عَرضت أن تعتني بهم دون أجر، وهي تحتاج لمَن يعتني بِها !! هل يخاف مثلي من أن يَمرض أطفاله ،لأنه لا يملِك أن يشتري لهم عُلبة الدواء !!

كانت أسئلتي ، تقودني الى فِكرة واحدة فقط هي ” الهِجرة ” لا حلّ لمُعاناتي الا بالهجرة ، وأصبحت أحلم بالبساط السحري الذي سيحملني لبلاد الأحلام والحريّات ، حتى جاء البساط وهاجرت .
صديقتي ؛
أنا اليوم هنا تنتابني حالة غريبة تجعلني أبكي وأضحك ، أحزن وأفرح ، حالة غريبة دفعتني لاستشارة طبيب لكي أفهمها علّني أجد حلّا يُريحني من نوبات البُكاء والصّداع المُزمِنين ،
تخيّلي ما قاله لي الطّبيب ههههه ، قال أني أعاني من فرط ” الغُربة” ، Homesick ، لقد اخترَق روحي وقرأ فيها مُعاناتي من مُتلازِمة “غِياب الوطن ” ، و ” ضياع الهويّة ” ، ومن ” فقدان الحُب ” ، و من ” برودة المشاعِر، حدّ التجمّد” .

صديقتي؛

كنت أفكّر وأتساءل ، وأحلُم بالذهاب لبِلادٍ الحُلم فيها يصبِح حَقيقة ، بلاد كُنت أعتقِد أن الانسان فيها هو الأغلى والأهم ، لأكتشف أن الانسان هُنا رقم ، مُجّرد رقم . ، أنا اليوم بِلا روح روحي بقيت في الشام وقلبي تحوّل لمِضخّة صدِئة وظيفتها أن تُبقيني على قيد الحياة فقط ، واليوم ، اليوم أشتاق لصوت المُنبّه ، ولوقفة الانتِظار على موقِف الباص ، ولحُضن المرأة العجوز لتحتَضنّي أنا واطفالي .
:
:
أنا امرأة بائِسة