- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

«كتاب محمد»: في مديح الموت

Capture d’écran 2016-02-04 à 16.29.54يحاول الكاتب اليمني جمال جبران في إصداره “كتاب محمد” (دار أخبار اليوم-القاهرة) تقديم شقيقه الراحل محمد على صورة روائية لها أن تخلق مع القارئ حلقة وصل تسمح بإقامة علاقة بينهما على الرغم من وفاة هذا الشقيق منذ ثلاثة أعوام.

لكن تأتي حكايات هذا العمل على هيئة مُغايرة لشكل كتابات الرثاء الاعتيادية. هكذا نجد في “كتاب محمد” نصوصاً هدفت لخلق بناء روائي تتيح لقارئها تكوين صورة أو بورتريه عن شخصية الراحل عبر نصوص تم تدوينها لتحكي عن حياة كاملة وينطلق كل واحد منها من حدث بعينه لينفتح بعد ذلك على حياة العائلة بكاملها. من هنا يمكن اعتبار “كتاب محمد” سيرة لعائلة جمال جبران وعلى وجه الخصوص والدته زمزم التي نالت نصيباً كبيراً من السرد لتظهر كشخصية رئيسية أخرى إلى جوار الراحل.

ويقول جمال جبران وهو كاتب وصحافي في جريدة “اﻷخبار” اللبنانية إن فكرة الكتابة عن والدته كانت تراوده من وقت طويل وقد انتهى من تدوين صفحات كثيرة عنها نُشر بعضها لكن “أتى موت محمد ليُحدث موتاً إضافياً لحياتي ومنحي طرقة مُختلفة للنظر إلى الأشياء”. على هذا توقف “كتاب زمزم” لتبدأ رواية اﻹبن الذي انتهت حياته قبل الجميع.

سيكون واضحاً في نصوص الكتاب تدوينها على نبرة واحدة ولغة أتت على مستوى سردي ثابت على الرغم من الفترة الطويلة التي احتاجها الكاتب للانتهاء منها. “كنت أقوم،في وقت الكتابة،بتثبيت صورة محمد في الواجهة وأنظر إليها باستمرار وكأني أقوم بعملية استعادة لزمن مفقود ما تزال رائحته في بالي وذاكرتي”. وعن سبب ابتعاد جبران عن استخدام لغة بكائية على عادة نصوص الرثاء المُتعارف عليها يقول إن فكرة موت شقيقه لم تكتمل بعد ولم تصبح حقيقة عنده حتى أنه لم يذهب لزيارة قبره طوال ثلاث سنوات ولا مرة والمناسبة الوحيدة التي ذهب فيها إلى مقبرته كانت لدفن صديق آخر ووقتها لم ينجح جبران في العثور على قبر أخيه بعد أن تكاثرت القبور ولم يعد أمر التعرف عليها ممكناً. وبالنسبة لمستوى درجة الاعترافات في الكتاب يقول جمال إن حياة محمد لم يكن فيها مايدعو للخجل حيث كان واضحاً وشفافاً لدى من عرفه ولهذا تعمّد المرور على شخصيات ما تزال على قيد الحياة للتثبت من صحتها.

وعند سؤاله عن سبب غياب حياة الكاتب الخاصة عن النصوص يقول بأن الكتاب يخص حياة الراحل ولم تكن هناك ضرورة للكتابة عن حياته إلا بما يُساعد على توضيح صورة محمد نفسها، “كانت حياتي بلاقيمة من الأساس وبالتالي لايوجد فيها مايستحق التدوين.كان محمد هو من يعطي لهذه الحياة معناها وقيمتها وبرحيله المادي عادت إلى أصلها.كل مايشغلني كان أمر تنفيذ النصوص بطريقة تجعل بينها وبين القارئ جسراً صالحاً لخلق علاقة مع محمد باعتباره صديقاً قديماً للجميع ولايخصني وحدي”. ويعترف جمال انه ومن وقت طويل مأخوذ بالفرنسي ألبير كوهين وعمله “كتاب أمي”،تلك الكتابة التي نجحت في جعل هذه الأم شخصية تخص جميع من قرأها واعتبارها على صورة أم للجميع. “كل الناس يفقدون أحباباً على نحو يومي لكن وحدها الكتابة من تجعل بعضهم باقياً في الزمن”.