- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

سوق الأحد…الفقر يحفر عميقا في بلد الأرز

Capture d’écran 2016-02-14 à 22.17.37صالح أشمر

  …من زمان لم تطأ قدماي سوقا شعبيا كهذا السوق القائمة على كتف نهر بيروت عند الحدود الإدارية للعاصمة اللبنانية، سوق الأحد يسمى لأنه لا يقوم إلا يوم الأحد، يوم العطلة الأسبوعية في لبنان ،وهو عبارة عن مستطيل من الأرض مكشوف طوله حوالي كيلومتر وعرضه نحو ثلاثة شوارع، تصطف على جوانبها عشرات البسطات التي تمتلئ بكل ما يخطر على بال الفقير المدقع أن يجده من رخيص السلع التي قد يحتاج إليها: أنواع الملابس والأحذية والأدوات والأجهزة والخردة والأواني المنزلية والسكاكر والحلويات والمكسرات والحبوب والتوابل والمعلبات وحتى الأطعمة الجاهزة. كل ذلك معروض هنا باسعار زهيدة، إضافة إلى مئات الأشرطة والكاسيتات والاقراص المدمجة، وحتى الكتب القديمة والمستعملة والتي باتت خارج التداول في المكتبات العادية…وعلى مدار اليوم تغوص ممرات السوق الضيقة بين صفين من البسطات في كل جانب بالمئات من الزوار الذين يأتون بحثا عن سلع لا يستطيعون الحصول عليها إلا بالأسعار الزهيدة التي تباع بها هنا. .سلع قديمةو مستعملة بحالة صالحة أو عاطلة يمكن إصلاحها، أو قطع غيار لإصلاح آلات وأجهزة في منازلهم. ..أناس من جنسيات متعددة يؤمون السوق. ..سوريون ومصريون وسودانيون واثيوبيون وبنغلاديشون وفلسطينيون ولبنانيون وغيرهم وجميعهم من العمال و غالبيتهم من العمال غير المهرة الذين يقومون بأعمال لا يقوم بها العمال اللبناتيون كما هو معروف. .. ومن مختلف الأعمار زبائن السوق شبان وكهول وصبية ،رجال ونساء اطفال. ..وكل يبحث عن شيء يامل أن يجده هنا … ولقد رأيت آباء وامهات،يصحب بعضهم أطفالهم. وهم يقلبون أكواما من الملابس و الاحذية المستعملة لينتقوا منها ما يصلح لهم او لأفراد عوائلهم …ومن أصوات الباعة التي ترتفع من البسطات تبين لي أن مبلغا بسيطا لا يتجاوز الخمس عشرة ألف ليرة لبنانية، أي ما يعادل عشرة دولارات ،ربما كان كافيا لكسوة صبي أو بنت من الحذاء إلى الرأس، مع شكلة لشعر ها وحزام لخصره فوق البيعة … بعشرة دولارات تكتسي البنت أو الصبي، بينما قد لا يبتسم نادل المطعم الفاخر لزبون ترك له عشرة دولارات بقشيشا. .. ماذا نسمي ذلك ؟اله اسم آخر غير الفقر المدقع الذي يحفر عميقا في وطن الأرز الشامخ …هذا الفقر الذي كان النظام الاقتصادي الليبرالي المتوحش هو المسؤول الأول عنه حين حول البلد إلى ساحة للعمليات المركانتيلية المالية والعقارية التي لم تخلق من فرص العمل إلا الظاء الطفيلية التي لا تغني ولا تسمن من جوع المجتمع الذي تلاشت فيه أو كادت الصناعات الوطنية والزراعات المنتجة وتحول إلى مجتمع لتصدير لا،لا الكفاءات والمهارات الوطنية فحسب، بل لتصدير اليد العاملةايضا …وأما السوق الاستهلاكية التي عمل الرأسمال المالي على الترويج لها فها هي تنكمش حتى لم يعد بعيدا اليوم الذي لن يجد فيه هذا السوق من المستهلكين إلا هذه الفئات من الناس المحرومين الذين كنت بينهم بعد ظهر اليوم في سوق الأحد هذا . ثم اني خرجت من هذا السوق بفكرة مفادها أن الزلزال الذي يهز المنطقة كلها في هذه الايام ما كان ليحدث هذا الدوي الهائل وهذا الدمار الشامل لولا إهمال الجانب التنموي في سياسات الأنظمة القائمة منذ عشرات السنين، حتى باتت غالبية السكان من سوء الحال والعوز و الفاقة ما اغرقها في حالة من الجهل والتعصب جعلتها سهلة الانقياد لكل من يدفع لأحدهم حفنة من الدولارات، ويحشو رأسه بالأوهام والترهات ،بحيث يدفعه إلى القتل من دون تمييز ،ويشجعه على الانتحار مؤملا أن يرتاح من هذه الدنيا الفانية ويلقى النعيم والحور العين في الآخرة. ..