الرئيسية » رأي » معمر عطوي »

عمى ألوان

معمر عطوي

خلال يومين كان هناك ثلاثة مهرجانات سياسية حاشدة، في لبنان، نهاية الأسبوع الماضي، تميزت بعلو النبرة وحدة الخطاب وقوة التحريض وضخامة الصوت الذي يذكّرنا بمرجلات قبضايات الساحات في الأزمان الغابرة. ولكل لونه الذي أصبح كتابه المقدّس الذي لا يشاركه فيه أحد.

ربما، لولا الحياء والخوف من التعرض لتهمة الرجعية، لحمل كل من هؤلاء الجهابذة عصا غليظة «أم دبسة» وقام بــ«تفتيل» شاربيه وفركهما بالصابون حتى يُتاح للنسر أن يقف على أحد الطرفين ويخ…ى إذا أراد، فعصر المرجلة على طريقة مسرحيات الرحابنة لا يزال حاضراً في خطاب المسؤولين وألوانهم.

ثلاثة مهرجانات سياسيّة لا مبرّر لها سوى محاولة المسؤولين عنها إعادة إحياء ما تراجع أو تلاشى أو تهدّم من كياناتهم الشعبية بفعل كذبهم وخداعهم وعدم صمود مصداقيتهم أمام من أعطوهم أصواتهم في دورات عديدة من الانتخابات الطائفية السابقة.

ميشال عون يحاول ترميم ما تفسّخ من شعبيته بمهرجان اقامه أنصاره في ساحل علما، والمناسبة هي ذكرى عودته الى لبنان في 7 أيار العام 2005، وكأن هذه العودة قد أصبحت من المقدسات التي باتت لا تُعدّ ولا تُحصى في بلد النفاق.

أما الخطاب فهو كالعادة مثل خطابات معظم المسؤولين اللبنانيين، يدّعي بأنه صاحب الحق والمنطق وكل من دونه خارج لائحة البشر.

وقد نسي الجنرال الآتي بوهج العداء لسوريا ان استمراريته تتم بدعم ممن عاداه لسنين طويلة، وهوالمتسلّح بتفاهم لا يُفهم منه سوى تحالف شيعي مسيحي أزاء أهل السنة والجماعة، وفق منظوربعض التيارات الاسلامية السنيّة.

ميشال عون الذي حين يتحدث يبدو وكأنه أحد أصحاب المسيح بطهرانيته وصدقه ومصداقيته التي لا مجال لدحضها وفق منظور البرتقاليين، نسي أنه منذ أيام قليلة كان يحتضن العميد فايز كرم أو  «يوضاس» الذي خان المسيح، كما سماه هو نفسه. بل نسي حليف تيار المقاومة في لبنان أنه بارك للخائن خروجه من السجن بعدما حظي بتسهيلات جعلت عقوبته أشبه بغرامة جنحة لا خيانة للوطن. وبعدما حظي العميل بكل أنواع الأغطية السياسية والدينية ومن ضمنها سكوت تيار المقاومة ازاء هذه الخيانة، مضحيّاً بسمعته للحفاظ على تفاهم أصبح يتخذ شكل العصبوية الحزبية أكثر من أن يكون تحالفاً سياسياً بنّاءً يحفظ صورة المقاومة ويعزّز أدوات الاصلاح.

فلا المقاومة قامت بواجبها في إدانة الخيانة على غرار سمفونياتها في التخوين والنقد اللاذع للطرف الآخر من المعادلة اللبنانية، ولا التيار البرتقالي حافظ على عهده بمباشرة الاصلاح. بل ربما لجأ الى الصفقات مع حلفائه من تيار 8 آذار على حساب الاصلاح واستغرق نفسه في لعبة التوزيع الطائفي رغم شعاراته العلمانية الكاذبة.

في الجبل، كان وليد جنبلاط يحتفي بقدامى مقاتلي الحزب التقدمي الإشتراكي، فكان خطابه تحريضياً لاذعاً ضد تيار من غير المعروف ما إذا كان حليفه أو خصمه، اللافت أنه أثنى على «شهداء» الكتائب والقوات اللذين سقط معظمهم في المعارك ضد معسكره خلال الحرب اللبنانية.

إقطاعي الجبل الذي يرفض قيام أي مشروع منتج في منطقته من دون أن يمتلك فيه حصة الأسد، لا يزال يتأرجح بين الاشتراكية والبيكوية، بين المقاومة والسياسة الأميركية، يشعل الحرب وحين تندلع يجلس جانباً أو قد يسعى إلى التهدأة حين يصل لظاها الى طرفه. يوم أمس أدخل كلمة بذيئة الى قاموسه حين وصف الآخرين بالصراصير. هو أضاف كلمة أخرى الى قاموس السياسيين اللبنانيين الحافل بالكلمات النابية التي تدل على ما يتحلون به من آداب وأخلاقيات.

اما اللون الأزرق فلم يجد سوى مناسبة 7 أيار ليعيد جماهيره المشتتة الى الساحة، وليعود سعد الحريري من خلال الشاشة فقط بسبب «مغتربه القسري» ليحرّض ويستفز ويهاجم وكأنه سيشيل الزير من البير على قول المثل اللبناني.

يوم السابع من أيار من المفروض انه طوي منذ اتفاق الدوحة في العام 2008، وربما كان طي النسيان اليوم لولا تصريح السيد حسن نصرالله غير الدبلوماسي بأنه «يوم مجيد». ربما كان من حق المقاومة أن ترد على استفزازت استمرت نحو سنتين نالت من جهادها وسلاحها وسمعتها، وعلى رأي المثل «الصبي ضربني وبكى.. سبقني واشتكى». هكذا فعل تيار المستقبل ومن خلفه باقي زمرة 14 شباط الذين استفزوا المقاومة حتى نفذ صبرها مع اعلان استهداف خطوطها الهاتفية.

لكن في المقابل، كان من الأجدر بالمقاومة مهاجمة قصور الكبار لا ترويع الصغار والفقراء في بيروت، رداً على استهدافها. وربما كان من الحكمة عدم خروج السيد، الذي بلغ مصافي العظماء بإدارته حرباً من أشرف الحروب ضد العدو الصهيوني صيف 2006، للتعليق على مسائل داخلية.

لقد تراجعت شعبية السيد لبنانياً وعربياً حين دخل في زواريب السياسة اللبنانية وتصدّى للرد على من هم أدنى مستوى من أضعف رجل في المقاومة. بهذه السياسة الزواريبية أصبح الشيخ سعد المشحون بمال النفط السعودي وبتركة والده «الشهيد» في منزلة السيد حسن الذي صدق مع شعبه حين حرر الأرض وانتصر في تموز وأخرج الأسرى من المعتقلات.

 السيد الذي قال يوماً ما «أنظروا الى البارجة الحربية الاسرائيلية «حانيت» كيف تحترق في عرض البحر» حين قصفها المقاومون بصاروخ، وصل الى نجومية لم يصلها حتى جمال عبد الناصر، لكن ها هو اليوم ينحدر في خطابه فيعتبر يوم 7 أيار يوماً مجيداً، بدلاً من اعتباره ضرورة لا بد من القيام بها للحفاظ على مكتسبات المقاومة.

 لقد ذهب سيد المقاومة أبعد من ذلك حين أصبح يناصر الظالم في دمشق على الشعب المظلوم في سوريا، بل اصبح يتذاكى على المراقبين وعلى الأجمعين بأنه خبير بحجم شعبية بشار الأسد وحجم المعارضة لهذا النظام. لعلها كبوة جواد تنتهي قبل أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع.

في أي حال، لبنان اليوم تحت سيطرة مجموعة من المنافقين الذين يدّعي كل منهم الطهرانية وهو الغاطس حتى أذنيه في لعبة الصفقات والمحسوبيات والتنفيعات الشخصية. وليس من أحد من هؤلاء السياسيين من اليمين أو اليسار من 8 أو 14 اذار أكثر طهارة من الطرف الذي يهاجمه. «الكل يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا».

لعلهم مصابون بعمى الألوان اذ يحمل كل منهم رايته ويقاتل الآخر بقداسة اللون. متى كانت الألوان حكراً على تيار أو حزب.

في المعسكرين ثمة جمهور واسع «كما هم يولّى عليهم». جمهور يهزّ برأسه لكلام«القائد» سواء كان مع اليمين أو اليسار. مجموعة من الانتلجنسيا السياسية التي تحفظ أدوارها عن ظهر غيب وتردد ما يقوله البيك والجنرال والسيد والشيخ، سواء كان يغازل الشمال أو الجنوب او الاثنين معاً او كان شتم من يشتم ويسب من يسب. المعزوفة تتكرر على ألسنة الأنصار من دون تفكير أو إعمال عقل يُذكر.

لعبة الألوان لا تنطفئ في لبنان، فكلما قلنا هدأت العاصفة عادت لتضخ مسحوقاً جديداً في فضاء قوس قزح هو للجميع وهو أجمل من كل آديولوجياتهم وأناشيدهم الحزبية. لعله عمى ألوان يهدف الى مصادرة ما هو حق للانسان في هذه الطبيعة وتشويه جماليتها.

اقرأ للكاتب نفس:

تعليق واحد

  1. عمى ألوان:

    واقع مرّ.. ومع الأسف فجميعهم يكذبون ويدّعون الصدق مع الجمهور والانسجام مع مبادئهم!!! أي مبادئ تلك التي تقبل الشيء ونقيضه؟ أين هي الاشتراكية والعلمانية من الدفاع عن حقوق الطوائف؟ وكيف يكون الدفاع عن المظلومين وقوفاً إلى جانب الطغاة؟ وكيف تكون السيادة والحرية والاستقلال وحقوق الإنسان مقترنة بالتبعيّة لأعتى أنظمة القمع؟ هو المال إذاً، والجهل صاحبه ما يجعل هذه “الجماهير” تلتفّ لتصنع زعاماتنا “الرشيدة”.. فالدهماء ـ عبيد المال هي مَن تصنع قادة “أمّتنا اللبنانية” الخارجة عن التاريخ والجغرافيا!!! سجّل أيها التاريخ خروجنا، حتى حين، من صناعتك، وانتظارنا الطويل في المزبلة

    تاريخ نشر التعليق: 2012/05/07

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings