الرئيسية » رأي » فداء عيتاني »

حلب: التكتيكات وحدها لا تكفي

فداء عيتاني – مدينة حلب:

“كل هذا القصف، كل هذا الدمار سيؤدي فقط الى نهايتنا” يقول رجل عجوز في احد احياء الفردوس في حلب، المنطقة يسيطر عليها الجيش الحر، والرجل لا يعلم الى من يتحدث تحديدا، فيسأل “هذا التسجيل للقناة السورية؟”. “لا”، يأتيه الجواب انها لقناة خارجية، فيصرخ “اذا سجلو مجددا رئيسنا غبي” ثواني قليلة ويبدأ الحشد الصغير بالصراخ بشعارات مؤيدة للجيش الحر، وللثورة ومعادية للرئيس السوري بشار الاسد.
أحد المرافقين السوريين يشير الى ان الرجل كان سيتابع بكلام مغطى بالرموز لو لم يعلم ان التسجيل سيذهب لقناة خارجية، واننا لسنا من المؤيدين للنظام “هذا شعبنا! لم يخرج تماما من خوفه ومن العادات التي زرعت فيه منذ 40 عاما”. بحسب المرافق، ولكن حيرة الرجل تفسر امر جبهة حلب المتقلبة، انها ارض متحركة، فما هو اليوم مع النظام سيخترقه الثوار خلال ساعات، وما هو مع الثوار قد يدخله النظام او يتسلل اليه شبيحته خلال ايام مقبلة وينفذون عمليات لهم فيه.
لا احد في سوريا يتحدث عن حكومة، النظام هو التعبير المستخدم، وهو تعبير دقيق بكل الاحوال، ليس للحكومة الحالية، كما لم يكن للحكومات التي قبلها، اي حول او قوة، انها هيئات فوقية شكلية، تقف بين الناس وبين النظام بتركيبته السورية المعقدة، انها مجرد واجهة نظيفة ولامعة لهيكل مليء بالركام والمشكلات والعشوائية.
الحكومة لن تتمكن من فعل اي شيء لاحياء مدمرة في المدينة الثانية في سوريا: حلب. اما النظام فقد يتمكن من فعل الكثير، على سبيل المثال متابعة خياره بدخولها وتنظيفها من المسلحين المعارضين مهما كلف الامر، وبالتالي متابعة التدمير الذي بدأ في جزء من احياء منطقة صلاح الدين.
ولن ينفع هنا الشعار الذي يتندر الثوار بنقله عن ابناء مدينة حلب الاصليين في دفع الجيش الى التمهل او الثوار الى الانسحاب، وستبقى صرخة اهالي حلب بحسب الثوار: ”دعونا نشوي بسلام” تصدح في الفراغ، بينما المعركة الطاحنة ستتابع مسارها اكلة كل المناطق الفقيرة، وبنسبة اقل بكثير المناطق المتوسطة والغنية.
في منطقة الفردوس السكان يهجرون بيوتهم، والحدائق والمدارس مليئة بالمهجرين من مناطق اخرى، ينامون احيانا في العراء، وتحت القصف، وتبكي امرأة اربعينية بوجهها المجعد باكرا وهي تتحدث عن قصف مدرسة حصل امامها يوم 23 آب، وقريبا من مسكنها، المرأة غادرت مع زوجها المنزل، برفقة شابين من ابنائها، وزوجتيهما، اما ابنها الثالث فقد انخرط في وقت مبكر مع مقاتلي الجيش الحر في احدى القرى وترك المدينة، وعاد اليها لاحقا بصفته عنصرا مقاتلا وليس شابا عاملا يقطن مع اهله في احد دهاليز احياء منطقة الفردوس.
الوالد خدم 32 عاما في الجيش السوري، كان يعمل ضمن القوات الجوية، واليوم يملك دكانا هو جزء من منزله، ويتحدث عن “قذارة الجيش” مضيفا انه خلال 32 عاما لم يكن لديه اصدقاء في الجيش، وان الجيش الحر هو من يخلصهم اليوم، وانه سيعود برفقة عائلته حين ترتفع راية الجيش الحر في المنطقة.
الا ان راية الجيش الحر مرتفعة فعلا في المنطقة، ولكن القصف لم يدع مجالا لهذه العائلة ولا لغيرها للبقاء.
يمكن اليوم ان تسمع من الكثير من السكان المدنيين لوما قاسيا لاخوتهم وابناء اعمامهم القادمين من القرى وبيدهم بنادق الكلاشينكوف: كنا افضل حالا قبل ان يصل مقاتلي الجيش الحر، يقول احدهم، وهو نفسه استقبل ثوار الجيش الحر الاتين من القرى بالهتافات والتكبير والمظاهرات في الشوارع، ولوح بالعلم السوري الاخضر والابيض والاسود، واوى المقاتلين في منزله، وقدم لهم الطعام، ولكن منزله تهدم في منطقة صلاح الدين، ولم يعد يعلم اين سينام هو وزوجته، والهروب الى تركيا يتطلب القليل من المال الذي ربما لا يملكه، والعودة الى القرية لا تعفيه من ليالي القصف هناك، ولم يعد من خيارات متاحة الا البقاء في المدارس التي شأنها شأن المساجد والمستشفيات مستهدفة من قوات الجيش العربي السوري.
ولكن ما الذي كنتم تفكرون به حين اتيتم الى المدينة؟ تسأل قادة المجموعات والمسؤولين المحليين، وبالكاد تحصل على اجابات واضحة.
حين تسأل عما كان الشبان في القرى يفكرون به عند بداية الثورة، تحصل على تأكيد بانهم كانوا من السذاجة بحيث اعتبروا ان الجيش النظامي لن يتدخل، وان الحراك سيلقى مواجهة من بعض البعثيين ومن اجهزة الامن لا غير، اما الجيش فهو بحسب من يحدثونك “جيشنا الوطني الذي دفعنا كل شيء من اجله، واغلبه من المجندين ابناء القرى والمدن السورية، وكنا نعتقد بانه من المستحيل ان يتدخل”.
الرؤية الساذجة هذه كانت تعتمد ايضا على ما حصل في تونس ومصر، وفي ليبيا حتى حيث وحدها كتائب القذافي من دافعت عن النظام الليبي، بينما انضم الجيش النظامي الضعيف هناك الى الثوار مباشرة. ولم يكن يتخيل الثوار في سوريا ان مطالبتهم بالاصلاحات في البداية ستوصلهم الى حمل السلاح واحتراف القتال، واليوم يقدمون اجابات مشابهة حول النزول الى مدينة حلب.
حين بدأت عمليات النزول الى مدينة حلب كان المقاتلون المفعمون بالحماس يعتقدون ان عدم رد النظام عليهم يعني تخليه عن المدينة، فكانوا يجمعون مئات قليلة من المقاتلين وينتشرون في صلاح الدين اولا، ثم يجمعون عشرات لدعم المجموعات الاولى ويقضمون منطقة اخرى، ويحاولون تجميع المزيد من المقاتلين، بينما ينتشر مسؤولو المالية للبحث عن تجار السلاح هنا وهناك لشراء الاف الطلقات.
وحين بدأت المعركة اكتشف الثوار مرة اخرى سذاجتهم، وقفوا يصدون هجمات الجيش متكلفين عشرات القتلى ومئات من الجرحى، وعشرات الاف الطلقات ومئات قذائف الأر بي جي، الان اصبح السؤال جديا مرة اخرى، هل من ضرورة لخطوط التماس في بلاد كلها خط تماس؟ هل من داع لجبهة مشتعلة في حين ان كل القرى ملتهبة؟ ثم ما الجدوى من اقامة خط دفاع اول في منطقة صلاح الدين يستهلك يوميا 5000 طلقة في حين ان كل الاشتباكات الرئيسية التي ادت الى ابادة مجموعات كاملة من الجيش السوري لم تستهلك اكثر من الفي طلقة في كل منها؟
وان بقيت حلب مدينة متنازع عليها فهل من المفيد الاحتفاظ بالجزء الخاص بالثوار؟ رغم ان طرق الامداد هشة ومتحركة، ويمكن للنظام ان يقطع بعضها مؤقتا بانتشار قواته (لمدة محدودة) والبعض الاخر عبر الطيران المروحي والحربي والقصف المدفعي.
الا ان رمزية المدينة سبقت الطرفين، ودفعتهما الى فتح معركة دون افق، فقد ماتت المدينة فعلا، وانشلت حركتها منذ اشهر، وبدأت الثورة تتغلغل فيها، واصبحت نقطة استنزاف للنظام منذ ان اضطر الى نشر عناصر الامن وقطع الطرق واقامة نقاط الحراسة السرية والعلنية، وتوقفت العجلة الاقتصادية فيها. بينما ومنذ نهاية الهجوم الكبير الذي شنه الجيش في الثامن والعشرين من شهر تموز وتمكن الثوار من الصمود واستنزاف القوات النظامية، والتراجع المحدود الى الاحياء الداخلية، فقدت المدينة اهميتها بصفتها مدينة يمكن قضمها حيا حيا واعلانها مدينة محررة.
مع معركة مثل معركة حلب يخجل احد الشبان من موقف اهله، ويتحدث عن مجيء مقاتلين عربا من عدد من الدول للمساعدة على تحرير بلده بينما اهل المدينة غافلون “سمهم متطرفين سمهم متشددين، ولكنهم يساعدوننا على الاقل بينما اهل المدينة لا يريدون التحرك”. ولكن التحرك نحو ماذا؟ وباي اتجاه يعتقد المعركة ستنتهي؟ ولماذا البقاء في حلب بدل الانسحاب منها والعمل من القرى؟ يرفض الشاب هذا المنطق، وهو من ترك اهله في احد معسكرات اللجوء في تركيا، وترك عمله في شركة كبرى وراتبه الجيد بحسب وصفه، رغم نقله الى تركيا للعمل، وبقي في المدينة الى ان تتحرر.
مقابل هذا الشاب الذي لا يمكنه الا رفض الحديث التكتيكي والاستراتيجي، والتمسك بحلم رؤية مدينته تتحرر من النظام السوري الحالي، فان العديد من المجموعات القروية المقاتلة باتت اكثر عقلانية بعد عمادتها بالنار ودفعها ثمنا مرتفعا في المعارك الماضية: لقد اختارت الانسحاب من الجبهات، وعدم حراسة الشوارع، والتنسيق مع المجموعات الاخرى المنتشرة لحراسة الشوارع ومنع تقدم الجيش، فالمجموعات التي دفعت ثمنا عاليا في القتال قررت اليوم بدء معركة حرب العصابات.
انها مرحلة “اضرب واهرب” رغم انعدام خبرة هؤلاء المقاتلين بحرب العصابات.

بالاتفاق مع الكاتب وبالتزامن مع نشرها في مدونته الخاصة

اقرأ للكاتب نفس:

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings