إيران: الحرب تدخل العقول
باريس ــ بسّام الطيارة
رغم أن العالم يعيش هاجس الوضع السوري، إلا أن الأنظار بدأت تلتفت رويداً رويداً نحو إيران. وبدأت تحضيرات الحرب تدخل العقول، كما يقول أحد كبار الخبراء المتخصصين بشؤون الشرق الأوسط. وتبدو «حلبة الصراع» من باريس محصورة بين تل أبيب وطهران، وأن باقي القوى العالمية غير قادرة على إيقاف اندفاع اللاعبين الأساسين نحو شفير الاصطدام.
في باريس، ورغم قرب الانتخابات الرئاسية، يبدو الرئيس نيكولا ساركوزي وكأنه يريد أن يجد دوراً لفرنسا في منع الاصطدام، الذي يراه بشكل «انطلاق إسرائيل في مغامرة ضرب إيران»، ولا يتردد المتابعون للملف من إعطاء «نافذة توقيت» يحددونها بين منتصف شهر آب/ أغسطس المقبل، وقبل بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٢، ويعطون لذلك العديد من التفسيرات:
أولا، يجب أن تتم الضربة قبل أن تصل إيران إلى مرحلة «اللاعودة»، أي حصولها على مكونات قنبلة نووية تسمح لها باجراء تفجير تجريبي يدخلها النادي النووي ويجعلها «محصنة» ضد أي ضربة بحكم «توازن الرعب النووي» الذي يستجلب «الردع العسكري»، ويتفق كافة الخبراء على أن هذا الحاجز التقني يقع في حدود نهاية هذه السنة.
ثانياً، على هذه الضربة أن «تجر» الحليف الأميركي للصراع وللمساعدة في ردع إيران عن ردة فعل تشعل المنطقة النفطية، والإقدام على إقفال مضيق هرمز كما سبق لها وأعلنت مراراً. وبالطبع فإن اختيار توقيت قبل بدء الانتخابات الرئاسية سوف يجبر الرئيس باراك حسين أوباما على التصرف لحماية الدولة العبرية ولمنع وقف تدفق النفط وذلك بـ«التكشير عن أنياب العم سام» بشكل يدفع إيران لتقبل الضربة من دون ردة فعل تتجاوز «حفظ ماء الوجه».
إلا أن باريس ترى في أن أي ضربة اسرائيلية لإيران، رغم الأخذ بعين الاعتبار كل هذه الاعتبارات، «لا بد وأن تشعل منطقة الشرق الأوسط» وتسبب بخلط لأوراق عدد غير محدود من الحرائق الإقليمية التي يمكن أن تدوم وتتوسع بشكل يصعب ضبطه. أضف إلى أن بعض المقربين من ساركوزي يقولون إنه «مقتنع بأن أي ضربة سوف تؤخر البرنامج الإيراني للحصول على قنبلة لعام أو اثنين على الأكثر»، وأن هذه الضربة «سوف تبرر بمفعول رجعي» سعي إيران للحصول على قنبلة «ردع تحمي النظام».
وبالمقابل، ترى باريس ضرورة تعجيل مسار العقوبات وفرض سلة جديدة تكون أكثر تأثيراً على الاقتصاد الإيراني بشكل «يهدد النظام»، حتى ولو كانت هذه العقوبات تطال المواطنين الإيرانيين، وهو ما كانت أوروبا والأمم المتحدة حتى وقت قصير سابق تتجنبه بقوة. وتريد فرنسا، حسب هذه المصادر، فرض معادلة «رأس النظام أو القنبلة». ورغم أن الديبلوماسية الفرنسية تبدو وكأنها تعاكس التوجه الاسرائيلي الذي يدفع نحو «معاقبة إيران بقوة وصولاً إلى مهاجمتها لو تتطلب الأمر»، إلا أن العارفيين ببواطن الأمور يرون أن باريس بقيادة ساركوزي تذهب أبعد من تل أبيب، وأن ساركوزي فرض تحالفاً مع جمهوريي الكونغرس الأميركي للضغط على أوباما بهدف زيادة حدة العقوبات بسرعة، عوضاً عن محاولة «التفاوض من تحت الطاولة وتبادل الإشارات حول مضيق هرمز»، بانتظار «مرور الانتخابات الرئاسية الأميركية على خير». ويرى هؤلاء أن ساركوزي وديبلوماسيته الفرنسية وأجهزة الرصد الفرنسية يحكمون على تصرف تل أبيب القائم على مبدأ «الصياح من نوع امسكوني وإلا…» بأنه نوع من «البلف» لأن كل المؤشرات السياسة تدل على «مصلحة إسرائيل بضربة اليوم» ويبنون تقديراتهم على أن الجمود في العملية التفاوضية وتقارب “حماس” و”فتح” مع زيادة ضعف هذه الأخيرة والتلبك الحاصل في مصر الذي يمنعها من لعب أي دور مؤثر. أضف إلى أن «دول الخليج باتت معبأة ومحضرة نفسياً» لمثل هكذا ضربة. أما الحسابات التي تقول بأن ضرب إيران يفتح باباً لخروج بشار الأسد من مأزق الثورة، فيراها الفرنسييون عاملاً «غير مأخوذ بعين الاعتبار اسرائيلياً» لأن إسرائيل حسب قول خبير «باتت في مرحلة ما بعد بشار الأسد». ويرى الخبير أن تل أبيب تفضل «فقأ الدملة الإيرانية» قبل سقوط الأسد بحيث يصل نظام جديد إلى دمشق وهو متخلص من عبئ الرهان على ردة فعل إيران. كما أن تل أبيب حسب الخبراء الفرنسيين لا تعتقد بأن “حزب الله” سوف يتحرك في حال وجهت ضربة إلى الجمهورية الإسلامية.
والذي يخيف الفرنسيين أن الدولة العبرية، التي سبق لها وخبرت «مسار صنع قنبلة نووية بالسر»، باتت مقتنعة بأن «إيران بضربة أو من دون ضربة» سوف تحصل في النهاية على «قنبلتها النووية» لأن منع طهران من الحصول على قنبلة يتطلب «المسار العراقي»، أي حصار واحتلال وتفكيك البنية العلمية وشبكة التصنيع عن بكرة أبيها «بما فيها منع استيراد أقلام الرصاص» في تذكير لسلة العقوبات القاسية التي وضعت قبل غزو العراق. وبالتالي فإن الهدف الوحيد الذي تسعى له تل أبيب اليوم هو تغيير قواعد اللعبة السياسية وقلب الطاولة. والإفادة ليس فقط في مجال إبراز قوتها في المنطقة بل أيضاً «إظهار حلف استراتيجي لا يقول اسمه» مع الدول العربية السنية التي تخاف من البعبع الشيعي، وهو ما يعطيها زخماً تفاوضياً كبيراً في الشق الفلسطيني، وفي سعيها لاستحداث صورة «دركي المنطقة» وحامي العرب.