نتنياهو يضحّي بالمخطوفين في غزة مقابل الكرسي(عن يديعوت)
عرض نتنياهو علينا، أول من أمس، أن نبدأ بالتصديق. عدّد كل الأمور التي فعلناها – فعلها للدقة – ولم نؤمن بأنه سيفعلها. “إذاً، لعله يجدر البدء بالتصديق؟”، سأل بنبرة من هو واثق بأن الجواب بدهي من تلقاء ذاته.
لم يحصل هذا ولن يحصل. لا يوجد لدى معظم الجمهور ثقة برئيس الوزراء. أول من امس أيضا، في خطاب النصر الغريب الذي ألقاه، والذي بدأ بكلمات “وعدتكم بالنصر”، بدا وكأنه يؤمن بأنه أوفى بوعده، أو على الأقل سينجح في إقناعنا بهذا.
أما هو فلا. فقد ترك الجمهور بلا جواب على السؤال الأكثر حرجا وإيلاماً: لماذا ما يفعله في لبنان لا يفعله أيضا في غزة؟ لماذا يمكن العودة إلى لبنان إلى لزم الأمر، ولا يمكن وقف الحرب في غزة لأجل إعادة 101 من المخطوفين، عددهم آخذ في التناقص؟
الجواب معروف: لأنه لا يريد. لأنه يخشى العواقب المحتملة: انهيار الائتلاف، فقدان قاعدته، وأساساً فقدان الحكم عشية استئناف محاكمته. عندما تنشر دانييلا فايس وجوقتها المسيحانية بنسائها وأطفالها الخيام على حدود غزة، وتنتظر الفرصة الأولى للاستيطان فيها فإن رئيس الوزراء يفضل إعطاء لبنان مقابل غزة. “حزب الله” مقابل “حماس”. مخطوفون مقابل حفظ حكمه. نتنياهو، لمن لم يفهم بعد، تخلى عن المخطوفين. وبدلا منهم يسوق النصر على “حزب الله”.
أول من امس، جند كل الحماسة التي يمكن أن يجندها كي يقدم استعراضا عابثا للنصر. لكن يجدر بنا ألا نتشوش. لم ننتصر، ولن ننتصر في حرب 7 تشرين الأول إلى أن يعاد آخر مخطوف.
غير أنه لا يهم إذا كنت أنت مع أم ضد الاتفاق مع لبنان، فعلى القلب أن يكون هذا الصباح (أمس) مع سكان الشمال. مع صرخة رؤساء المجالس، الذين يحملون على مدى سنة وشهرين عبئا عسيرا على الحمل من خراب المدن، البلدات، والكيبوتسات، وقد تجاهلوهم على مدى هذا الوقت. ألم السكان الذين أُخلوا ويترددون في العودة إلى بيوتهم قبل أن يكونوا واثقين من أن غدا لم تسقط عليهم الصواريخ. قبل أن يصدّقوا انه لم يتبقَ أي نفق يمكن عبره أن يمر “إرهابي” ليمتشق من السرير بناتهن وأبناءهن.
إذ من منا كان سيثق بقيادة نفت قبل ذاك السبت من تشرين الأول وجود أي أنفاق في الحدود الغزية، وهي والمستوى العسكري لم يشخصا الكارثة المتحققة، تلك “المذبحة” والحرب التي في أعقابها، حيث لا يهم كم يحاولون هندسة وعينا، حتى حرب 7 تشرين الأول.
لكن مع كل التعاطف مع سكان الشمال، والثمن الباهظ الذي اضطروا ليدفعوه على مدى اكثر من سنة، ينبغي أن نقول الحقيقة. والحقيقة هي انه لا يوجد، ببساطة، بديل آخر.
إن الوهم الإسرائيلي، الذي بموجبه لا يمكن حل النزاعات إلا بالقوة، يتبدد مرة تلو الأخرى. فلا يوجد أي سبيل لإنهاء النزاعات، إذا كان ممكنا على الإطلاق، إلا بالاتفاق.
باستثناء وزير الدفاع الوافد لم يحدد أحد تصفية “حزب الله” كجزء من أهداف الحرب. ولم يقرر أحد آخر من المستوى السياسي والعسكري أننا انتصرنا. ثمة من يقولون، انه من السابق لأوانه جدا التوقيع على اتفاق، وانه ينبغي المواصلة والسحق. التقويض التام لـ”حزب الله”. لكن من يدري ما هو الوقت الصحيح، وما هي اللحظة الدقيقة لعمل هذا؟
ومع كل الانتصارات المجيدة فإن قرار وقف الحرب في الشمال أملى علينا. وبصرف النظر عن مدى رغبة نتنياهو في إظهار الأمر وكأنه هو الذي قرر، فإن مساهمته هي أنه وافق على قبول الطلب الأميركي بالاستسلام للضغوط.
لم يفعل نتنياهو هذا لصالح إدارة بايدن، بل بسبب انه يعرف بالضبط ما الذي تتوقعه منه الإدارة التالية. كان ترامب يريد أن ينهي القصة قبل أن يستقر في البيت الأبيض، ويخيل انه لا يهمه حقا أن يبدأ هذا الإنجاز في أواخر عهد بايدن. أربع سنوات كاملة أمامه، وحتى إذا كان إنجاز الاتفاق مع لبنان يبدأ قبل نحو شهر من تتويجه، فإن هذه الهدية مستعد ليقبلها.
لكن الأمر ليس ذلك فحسب. يفهم نتنياهو انه لم يعد لنا ما نفعله في لبنان. لا توجد أهداف كبيرة أخرى على جدول الأعمال، وباستثناء الحاجة لإرضاء اليمين المتطرف في ائتلافه، يعرف أن القتلى آخذون في التراكم وبعد قليل – لا سمح الله – ستنصب يافطة أمام بيت نتنياهو مع عدد القتلى المتغير في كل يوم، مثلما فعلوا أمام بيت مناحم بيغن في حرب لبنان الأولى.
في مثل هذه الحالة قد نقبل طلبا آخر من سارة نتنياهو للاعتراف بها كمتضررة، مثلما فعلت، أول من امس، بسبب تلك الألعاب النارية التي أطلقت قرب بيتها في قيساريا، بينما لم تكن هناك على الإطلاق.
وفقا للمنطق ذاته، يمكن لكل سكان إسرائيل، حتى أولئك الذين بالكاد سمعوا صافرات إنذار أن يرفعوا ادعاء تمثيليا بالتعويض عن السنة التي مرت عليهم، بما فيها المذبحة في الغلاف والتي لم يكونوا فيها.