ماذا ستفعل “حماس” بعد التسوية مع “حزب الله”؟ (معاريف)
قبل عام، شكّل الابتهاج الذي ساد شوارع غزة لدى رؤية السيارات التي تعيد المخطوفين الإسرائيليين، بالنسبة إلى “حماس”، بداية عملية القضاء على إسرائيل. وبينما كان الغزيّون يحتفلون بـ”يوم العبور” إلى أراضي “فلسطين المحتلة”، استعدت قيادة “حماس” للرد الإسرائيلي الآتي. لقد فعلت ذلك بمساعدة 3 مبادئ كانت دائماً جزءاً من كتاب معركة “حماس”.
تدرك “حماس” أنها العدو الأضعف لإسرائيل من الناحية العسكرية، فـ “حزب الله” وإيران، وأيضاً الحوثيون، الذين لم نكن نسمع باسمهم قبل بداية الحرب، كلهم أقوى منها عسكرياً. لذلك، تركّز أسلوب “حماس” على 3 مسائل في حملة التأثير في الوعي التي حققت تأثيراً قوياً لم يكن في مقدور “حماس” تحقيقه بقوتها العسكرية:
العنصر الأول – إزاء العالم: استخدمت “حماس” مواطنيها، وقدمتهم ضحايا للهجمات الإسرائيلية، وذلك بهدف مزدوج: فرض قيود كبيرة على استخدام الجيش الإسرائيلي للقوة، ودفع العالم إلى التبرع من أجل تغطية الحاجات الاقتصادية للغزّين من الطعام والوقود والعلاج الطبي.
العنصر الثاني – إزاء إسرائيل: استخدمت “حماس” المخطوفين من أجل “الضغط شعبياً على حكومة العدو”. الهدف من استخدام المخطوفين ليس التوصل إلى إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، مثلما تعودنا في الماضي، بل كان الهدف استراتيجياً، في أغلبيته: استخدام المخطوفين لتقسيم إسرائيل من الداخل والاحتفاظ بهم رهائن، للمحافظة على حُكم “حماس” في القطاع.
العنصر الثالث – الحملة على الوعي، بعيداً عن أنظار المواطنين الإسرائيليين، لأن الجمهور المستهدف هو العالم العربي. ومن خلالها، طرحت “حماس” النظرية النقيضة لمسار التقارب الذي يطرحه الغرب، ولوّحت بـ”إنجازاتها” العسكرية، بهدف استمالة القوى الأُخرى للانضمام إليها.
وفعلاً، في بداية المعركة، ومن حُسن حظ إسرائيل الكبير أن “حزب الله”، الذي فوجئ بالموعد الذي وضعه السنوار للمعركة، انضم إلى المعركة على “نار خفيفة”. لكن بمرور الوقت، تحولت المعركة في مواجهة “حزب الله” إلى المعركة الأساسية: والضغط العسكري على الجبهة الداخلية يأتي اليوم من “حزب الله”، ومن الحوثيين، ومن الميليشيات العراقية، ومن إيران، أكثر مما يأتي من القدرات العسكرية التي بقيت لـ”حماس”، والتي لم تعد موجودة، بالنسبة إلى الجبهة الداخلية.
بخروج “حزب الله” من دائرة المواجهة العسكرية المباشرة ضد إسرائيل تفقد “حماس” جزءاً مهماً من عنصر الضغط العسكري على إسرائيل. لكن يجب أن نتذكر أنها لا تزال تمتلك العنصرين الأول والثاني، اللذين تستمد منهما تشجيعاً كبيراً. بالنسبة إلى “حماس”، إصدار أوامر اعتقال دولية من قضاة محكمة الجنايات الدولية ضد رئيس الحكومة يبعث برسالة إلى “حماس” بأنها على الطريق الصحيح.
تعتبر “حماس” أن جزءاً أساسياً من المصلحة الإسرائيلية في التوصل إلى اتفاق مع لبنان هو ضغوط إدارة بايدن المنتهية ولايتها ووقف شحنات السلاح. لكن من جهة، يدركون في “حماس” أنه خلال شهرين، ستتبدل الإدارة الأميركية، وسيجدون أنفسهم في ساحة دولية مختلفة تماماً. بالنسبة إلى “حماس”، النقطة الأساسية التي لا تزال تلعب لمصلحتها هي الوضع الداخلي الإسرائيلي: فهم يرون الانقسام الداخلي في إسرائيل، ويستغلونه من خلال أفلام الفيديو وصور المخطوفين، تماماً مثلما ورد في وثيقتهم الاستراتيجية، من أجل تقسيم الجمهور الإسرائيلي من الداخل.
في مواجهة كل هذه العناصر الموجودة في كتاب اللعبة الأساسية لـ”حماس”، برز عنصر جديد، هو الأخطر من كل العناصر الأُخرى: العملية الإسرائيلية المستمرة في شمال القطاع التي تصل اليوم إلى يومها الخمسين. الجزء الأكثر إثارةً للقلق، بالنسبة إلى “حماس”، ليس مقتل وأسر المئات من مقاتليها، بل هو، تحديداً، السكان المدنيون الذين يجري إجلاؤهم عن شمال القطاع.
باتت بلدة بيت حانون خالية تماماً، وعملياً، أصبحت المستوطنة الغزّية الأولى، وتحولت إلى مدينة أشباح. لقد فرغت سائر بلدات الشمال من السكان تقريباً، عطاطرة، وبيت لاهيا، ومخيم اللاجئين في جباليا، لكنها لا تزال تشهد قتالاً، وبقي فيها بضعة آلاف من السكان، بينما انتقل عشرات الآلاف من هناك إلى غربي مدينة غزة (وقلائل فقط انتقلوا إلى جنوب معبر نتساريم).
إن المصلحة الأولى لزعامة “حماس”، الآن، هي في عدم خسارة سيطرتها المدنية على شمال القطاع، وعلى مدينة غزة. وما دامت إسرائيل مصرة على الاستمرار في إجلاء المدنيين عن مناطق القتال في شمال القطاع، وخصوصاً إذا نجح الجيش في تكثيف قواته لممارسة مزيد من الضغط على “حماس” في سائر الأجزاء الغربية والجنوبية من مدينة غزة، فإن هذا سيزيد الضغط على قيادة “حماس”، وربما توافق أخيراً على إطلاق جميع المخطوفين.