“عقدة أوديب” وتذمر “أويحيى”
نصيرة بلامين
أيام قليلة مرّت على محاضرة “عقدة أوديب”، وها أنا أقرأ عنها على ضفاف “القدس العربي”، وخيل لي أنّها اجتاحت بل تعدّت “رسالة مضيق هرمز” ويا ليتها تصلّ إلى سوق “عكاظ”… من يدري؟ فظلال “اللوبوم” موجود عن يمينك وعن يسارك ومن فوقك ومن تحتك… بل حتّى في عدسات الكاميرا التّي يجهّزها في الخفاء وبإتقان… أو في إرسال “ضيف” في اللّحظة الأخيرة لكي يتخذ مقعداً بجانبك وكأنّها “مجرد صدفات”… (لا أصدق الصّدفات، لم أصدّق يوماَ الصّدف… اعذروني إن قلتها، وحتّى إن لم تتفهموا الموقف فهذا “شغلكم”) في هذه الوضعيات يتمنى المرء أن يبعث رسالة عبر “مذنب مضيء”، محتواها؟… الرّسالة لم أخطّها بعد… ليس بعد…
“عقدة أوديب”… تحت هذا العنوان، افتتحت محاضرات السيميائية في “السّلبي والسّلبية” للعام الجديد ألقاها الأستاذ أليساندروه زينا (Alessandro Zina) حول موضوع “النسيان والنّفي” في “عقدة أوديب” و”البحث عن المعرفة”.
كيف جاءت في المحاضرة؟ أو لما تمّت برمجتها؟ لا يهمّ “كيف” و”لماذا”؟ المهم هو أنّ برمجة “عقدة أوديب” جاءت لترجمة فرضها الغير، ليجد التبريرات لنفسه وما شابه ذلك.
“شخصية أوديب الضّحية” يخبرنا الاستاذ زينا أنّ “أوديب” قتل والده الملك دون أن يدرك أنّه والده ليتزوج والدته دون أن يدرك أنّها والدته، وبعد أن يكتشف الحقيقة يعاقب نفسه ويفقأ عينيه. بيد أنّ الفاعل الحقيقي في مأساة أوديب هو من يستحقّ “فقأ العين”، أو لنقل “أن يجري عملية في العينين” حتّى يرى جرمه الحقيقي بدل أن يتستّر بـ”غشاء” الكذب والرّياء والخديعة.
قتل الأبّ أو سذاجة “أوديب” المأساة هو أنّه كان “ساذجًا” لأنّه لم يكن يعلم أنّ الملك هو والده هذا ما أراد المحاضر توصيله: سذاجة “أوديب” كانت محور مأساته.
لكنّ “إن لم يكن أوديب ساذجًا، كما كان يعتقد الغير، هل نتكلّم حينها عن عقدة أوديب”؟ نسأل الأستاذ ونضمن السؤال مسألة العنف الرّمزي : الجواب مقتضب.
لنفترض أنّ الشّعوب كلّها “مغفّلة” ولا تدرك أيّ “طبيخ مسموم” يعدّه حكّامها (الآباء الروحانيون)، هل الشّعوب بهذه الدّرجة من السّذاجة؟ وكأنه استدرار إجابة على مقالة لعبده خال في صحيفة “عكاظ” السعودية قال فيها: “إذا كنا كلنا مغفلين إيش نسوي؟”.(ماذا نفعل؟)
سيّدي لسنا مغفلين ولا ساذجين… لكنّ “الأبّ الرّوحي” كان دائم التّجسس لتفكيك تشفيرة “الصّمت والعزلة”، فكنّا نمتهن بدورنا “قناع السّذاجة” حتّى لا نكشف السّتار… إلاّ أنّ الأب الرّوحي الذّي كان يقتفي آثارك منذ أعوام خلت، ويرسل لك عبر صور إنسانية من يستلطفك أو يهددك أو يعتدي عليك ليفك اللّغز لعبت دور السّاذج لتتركه يرى بأم عينيه معاني “صمت الصامت”…
تحليل أسطورة “أوديب”، يذكر بقول للأستاذ “بير آج برانت” (Per Aage Brandt) عن ما يراه الإنسان وكيف يتصرّف وفق ما يراه، ويبدو أنّ ما يراه الإنسان مرتبط جدًا بالشّغف أي مقولة: “يجب أن نتبصر جيّدًا قبل القيام بأيّ تصرّف”.
لو قال قائل “إنّي أرى الذّئب”، فالقول يمكن أن يحمل معان عديدة: فأنا قد “أرى الذّئب”، وأعني بذلك الحيوان لا الإنسان إذا تواجدت في الغابة مثلاً، وقد “أرى الذّئب”، وأعني بذلك الإنسان الذّي يريد أن يعتدي عليك، وقد “أرى الذّئب” في إنسان لكن لا أقصده هو بالذّات بل أقصد ذلك الذّي يختفي وراءه أيّ يوجد ذئب آخر، نعرفه ويعرفنا. وهنا يكون تصرّفنا لا عن جهل بل مجردّ ناقوس خطر قمنا بدقّه حتّى يكفّ “الذّئب الرّوحي” عن البحث والتّنقيب والتفتيش والتهديد والترهيب، لأنّه من السّهل أن نقوم بدورنا بالتّحريات والتّفتيشات وغيرها، ونخلط الأوراق جميعها كما كان “يعلّمنا”.
ولذا لا يمكن الحديث عن “دراما خيبة الأمل” في أوديب بل عن خيبة أمل ممسرحة .
“عقدة أوديب” والشّعوب العربية: هل الشّعوب حقًا مغفّلة؟
كلا! لكنّ يبدو أنّ الحكام يستغفلون الشّعوب، يريدون الخلود في كرسي “الأبّ الرّوحي” حامي “روح الشّهداء”.
في الجزائر خرجت العديد من المسيرات: في الأغواط ووهران وغيرها من المدن الجزائرية. الشّعب “غاضب”، لكن يبدو أنّ الهراوات كانت في استقبال هذا “الشّعب المغفّل”.
من جهة، السّيد أويحيى يرفض الاستقالة، لن يستقيل (إنّه ينتظر قرارًا رئاسيًا)، الشّعب “ينتظر أيضًا” السكن والعمل ومعيشة أفضل. القرار الرّئاسي لم يعدّ ينتظره الشّعب منذ 1962، منذ اغتيال عبان رمضان، ومحمد بوضياف وغيرهم.. اللائحة طويلة. أنسيتم إقصاء المرأة وتهميشها بعد مشاركتها في الحرب وفرض قانون الأسرة كرصاصة تطلقونها عن بعد ؟
وماذا عن اتفاقيات إيفيان؟ لما كلّ هذا الغموض؟ اخرجوا أوراق إيفيان، لماذا تصرّون على تشويه التّاريخ للشّعب؟
من جهة أخرى أشباح “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” تصرّ على العودة إلى السّاحة السّياسية وكأنّ المسلسل الدّموي الذّي تدفّق في المدن الجزائرية خلال العشرية السّوداء لم يكن له وجود.
قالوا لنا “صافية كي اللبن” للإنقاذ.
عن أيّ إنقاذ تتحدّثون؟ كفاكم كذبًا. أنسيتم “بن طلحة”؟ أنسيتم كتيبة الأمير “فليشة” في الأبيار؟ أنسيتم ذبح واغتصاب النّساء والأطفال والعجائز والعزل؟ أنسيتم مذبحة “بني مسوس”؟ أنسيتم ذبح الأستاذة “أورايس” معلمة اللغة الفرنسية في اليوم الأول من شهر رمضان، قرب حمام في الأبيار.
التّاريخ يسجّل.. أنسيتم ذبحكم للصحفيين والمثقفين؟ أنسيتم الفتوى التّي ابتكرها ذلك الإمام وأمر فتيان مدينة حاسي مسعود باغتصاب نساء: جريمتهن كونهن يعملن ويعشن دون رجل!
أنسيتم الرّسائل التّي كانت تصلنا لكي نلزم المنزل ولا نخرج لأنّنا نساء؟ اللائحة طويلة.
أحزاب إسلامية أخرى تريد ارتداء ثوب الديمقراطية وتتكلم عن الزّيت والسّكر والقهوة. ما هذا الهراء سيدي؟
لسنا مغفلين، الشّعب لا يريد لا إسلاميا ولا عسكريا. يريد مؤسسة ديمقراطية يريد حقوق. السّكن والعمل والأموال موجودة لكنها “محتكرة”.
غياب القدرة الشّرائية وتجويع الشّعوب هي أداة للتّحكم فيها. من قال أنّه لا توجد قدرة شرائية في الجزائر؟
ولأوّل مرة أقرأ في أحد الصّحف أنّ الجزائر شرعت في التّنقيب عن البترول في الشّمال والرّئيس توعد بمنح ولأول مرة الشّعب “نصيب البترول” بشكل إضافة على الرواتب والأجور! ما هذا الهراء؟
ما دخل نصيب البترول ورواتب والأجور؟
الجزائر “فقط” بالبترول الذّي تستغله تعدّ من بين البلدان الغنية بل أغنى من فرنسا بـ 20 مرة والجزائر تستطيع شراء جميع ديون أوروبا.
“عقدة أوديب”؟ اربّما لها علاقة مع الآباء الروحانيين أولئك الذّين يجوعون الشّعوب ويكذبون عليهم.
لكن سيد أويحيى لا يحقّ لك التّذمر. ليس من حقّ أي وزير أوأي رئيس أو حاكم أن يتذمّر فلا أحد يجبر أحد أن يكون حاكما.