فرنسيو الجزائر: الحنين إلى الجزائر…لماذا الآن؟

couverture_les_francais_d_algerieنصيرة بلامين

في الوقت الذي تتعالى الأصوات في مجلس الأمة الفرنسي بخصوص ذكرى مئوية الإبادة الأرمينية بحيث تم التصويت عام 2012 على مشروع قانون يجرم نكران الإبادة الأرمينية وينص هذا القانون بالسجن لمدة عام ودفع غرامة 45000 أورو في حالة نكران الإبادة، وفي الوقت الذي يتعالى المجتمع المدني الجزائري للاعتراف بمجازر 8 ماي 1945 مثلما تم الاعتراف بالإبادة الأرمينية، لم يجد بعض الكتاب الفرنسيين إلا الإشادة بالوجود الفرنسي وتمجيد الاستعمار الفرنسي.ومن بين هذه الكتب، جاء كتاب “فرنسيو الجزائر، من 1830 إلى يومنا هذا” (Les Français d’Algérie de 1830 à aujourd’hui) لـ “جانين فيرداس لورو”، عن دار النشر “فيار” الفرنسية، سلسلة “بلوريال” حيث كرست الكاتبة حديثها عن فرنسيي الجزائر، وتقول إنهم لم يحظوا باهتمام المؤرخين ولا الكتاب، بل عرفوا تجاهل وحقد من قبل فرنسيي فرنسا ولو أن مدة وجودهم في الجزائر هي 132 سنة، وهي مدة تواجد الاستعمار الفرنسي في الجزائر. وسلطت الكاتبة، من خلال هذا الكتاب، الضوء على نمط معيشة فرنسيي الجزائر أو الأقدام السود، أي حياتهم اليومية.

وكان رحيل فرنسيو الجزائر لاسيما بعد استقلال الجزائر عام 1962 يعتبر مرحلة مأساوية في حياتهم، فتعلقهم بأرض الجزائر كان كبيرًا ولم يتصوروا يومًا التخلي بسهولة عن الجزائر.

وكانت الجزائر تعتبر من قبل غالبية الفرنسيين الذين ولدوا بالجزائر كـ”ضربة حظ” في حياتهم ومعيشتهم، فهاكم ألبير كامو كتب عام 1955 يشيد بأرض الجزائر قائلاً: “إنه لمن الحظ أن تولد في تيبازة بدل سانت إيتيان أو روبيه”. وحتى وإن كان ألبير كامو كتب عدة مقالات في جريدة “ألجيري ريبوليكان” عن “بؤس منطقة القبائل” (Misère en Kabylie) إلا أن هذا لم يمنعه من الوقوف إلى جانب فرنسا عند استلامه جائزة نوبل للآداب، حيث قال خلال مقابلة صحفية: “إذا تحتم الأمر أن أختار بين العدالة ووالدتي، فأنا أختار والدتي”، وفسر البعض قوله “والدتي” أنه كان يقصد أمه الوطن “فرنسا” وليس “والدته”.

والأمر ليس غريبًا، فكبار الكتاب الفرنسيين أشادوا بالاستعمار، فهاكم فيكتور هوجو في كتابه “أشياء مرئية” (Choses vues) قال: “أعتقد أن هذا الاحتلال الجديد هو أمر سار وعظيم، بل هو عين الحضارة أتى ليقضي على الهمجية، ها هو شعب مثقف يسير نحو شعب قابع في الظلام. نحن هم إغريقيو العالم ولذا يتوجب علينا تنويره”.

كما أن الساحة السياسية في فرنسا سواء كانت من جانب الأحزاب اليمينية أو اليسارية وحتى من قبل الصحفيين آنذاك كانت تكرر قول إن دور فرنسا في الجزائر كان “متحضرًا” وعظيمًا ونعتتها بـ”التحفة الفرنسية”، أمثال “بيار منديس فرانس” أو “شارل ديغول”. وخلال سنوات الثلاثين من القرن الماضي، كتب “شارل أوندريه جوليان” (Charles André-Julien) في “تاريخ إفريقيا الشمالية” (L’Histoire de l’Afrique du Nord) “إنها الصدفة التي قادتنا نحو إفريقيا الشمالية، لقد قمنا بأعمال عظيمة، ويمكننا النظر إلى ماضينا دون تأنيب ضمير”.

أما بول رينو (PAul Reynau) الذي كان يحتل منصب وزير المستعمرات، أكد خلاله تدشينه معرض الاستعمار سنة 1931 أن: “الاستعمار هو أعظم صنيع في التاريخ”. كما أنه خلال حرب الجزائر، العديد هم من كتبوا ليمجدوا الاستعمار في الجزائر وأفضل مثال هو  “رايمون أرون” (Raymond Aron) الذي عارض بشدة استقلال الجزائر، وكان كتب في “مأساة الجزائر” (La tragédie de l’Algérie) “هؤلاء الفرنسيون هم الذين خلقوا جزائر اليوم، حرثوا الأرض وبنوها، حاربوا الطبيعة والرجال”.

بينما كان جول فيري (Jules Ferry) يمجد الإمبريالية الاستعمارية كان يقول إن “بعثة فرنسا إلى الجزائر كانت حضارية”. أما الرأي العام لفرنسيي الجزائر فكان أن الاستعمار سمح لمجتمع عاجز الدخول إلى العالم، واعتبرت الدول الأوروبية الشعوب المحتلة كونها شعوبًا “متخلفة” و”دونية”.ناهيك بـ “إرنست رينان” (Ernest Renan) الذي لم يتردد من القول في محاضرته الشهيرة عن “الإسلاموية والعلوم” “كل شخص تعلم شيئًا من ثقافتنا الحالية يدرك جيدًا التدني والتقهقر الذي تعيشه البلدان الإسلامية من انعدام في نخبتها الثقافية وحتى في ديانتهم وثقافتهم وتربيتهم”. وكان يبدو جليًا الحقد الذي كان يطفو خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تجاه العرب والمسلمين آنذاك، وكان أحد كتاب العصر قال إن: “الأهالي هم ورثة حضارة متأخرة”.

فمن هم فرنسيو الجزائر؟ ومن يكونون؟ ولما الحديث عن حنينهم إلى الجزائر اليوم في الوقت الذي تنتظر الجزائر من فرنسا مواقف حازمة لاسيما بخصوص مجازر 8 ماي 1945 بل وكذلك أحداث 17 أكتوبر 1961؟

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *