الرئيسية » رأي » معمر عطوي »

أحفاد العثمانيّين على أبواب دمشق

معمر عطوي
لا يمكن الدفاع بأي شكل عن نظام دمشق الذي يحرم شعبه أبسط حقوقه الإنسانية، فالذي يقتل شعبه خائن، على حد ما تقول كلمات أغنية الفنان السوري اليساري الملتزم، سميح شقير. بيد أن التدخلات الدولية في الأزمة السوريّة، خصوصاً الدور التركي المتعاظم، يثير أسئلة حول الغرض من هذه “النخوة” غير المسبوقة في بلد لا يزال جزء كبير من سكانه الأكراد يعاني الاضطهاد وسلب أبسط حقوقه الثقافية والسياسية.
من المعروف أن أنقرة وطّدت علاقاتها مع دمشق في العقد الأخير حتى وصلت الى مستوى متقدّم من نسج الروابط الاقتصادية والتبادل التجاري والتعاون السياسي والعسكري. تطور غير مسبوق بدأ مع الرئيس حافظ الأسد الذي رضخ لطلب الأتراك بترحيل قائد حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان من سوريا حيث أصبح معتقلاً في جزيرة أميرالي التركية، وصولاً الى مرحلة الأسد الإبن، الرئيس بشار، حيث إنتهى إلى صفقة تم من خلالها التنازل عن أراضٍ سورية يحتلها الأتراك في لواء إسكندرون وكيليكيا وأنطاكيا وماردين وغيرها.
لكن سياسة “تصفير المشاكل” التي نظّر لها وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، لم تصمد كثيراً كما كان مرسوماً لها، سيما على خط أنقرة ـ دمشق، حيث تدهورت العلاقات الى مستوى لم يعد الرجوع عنه من السهولة بمكان. فقد تطور الموقف التركي المنتقد لسياسة السلطات السورية، من الشجب والتنديد واستقبال الهاربين من جحيم القمع إلى احتضان المعارضين والعمل على تشكيل ودعم كيان سياسي وعسكري معارض وصولاً الى الحديث عن إقامة منطقة عازلة على الحدود الشمالية لسوريا.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما سر هذا الإهتمام الكبير من أحفاد العثمانيين ببلد مجاور رزح تحت سلطة أجدادهم نحو 500 عام.
طبعاً، ليس المطلوب السكوت عن جرائم النظام السوري، من دولة مجاورة تعرضت مصالحها قبل مصالح غيرها للضرر بسبب سياسة قصر المهاجرين تجاه شعبه، إلاّ أن هذه الحمية الزائدة تثير التساؤلات والاستفهامات حول الدافع الذي جعل دولة يشكل جيشها من حيث العدد ثاني جيوش حلف شمال الأطلسي، وترتبط حكومتها ذات المنشأ الإسلامي بعلاقة حميمة مع الحركات الإسلامية في العالم العربي، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين المعارضة في سوريا.
لذلك يصبح من الواضح أن لتصاعد الانتقادات التركية في هذا المجال، أسباباً عديدة، أهمها الوكالة الأميركية الممنوحة للأتراك لكي يتفاوضوا ويتصرّفوا في العالم العربي كما يحلو لهم، كونهم مقبولين من شريحة واسعة من الشعوب العربية التي تتفاعل مع سياسة “الباب العالي” من منطلق مذهبي، إزاء تعاظم قوة إيران العسكرية وتغلغل نفوذها في العراق والبحرين ولبنان وسوريا وصولاً الى فلسطين.
فالدور التركي في المستقبل يهدف الى منافسة الدور الإيراني في المنطقة، ما يعزز الشحن المذهبي في العالم الإسلامي على حساب وحدة الأمة وقضية فلسطين. ولعل أكثر ما تجلى في هذه المنافسة «الهمروجة» التي صنعها الأتراك مع إسرائيل على خلفية حرب غزة وحصارها ثم بسبب قضية سفينة “مافي مرمرة” التي استشهد على متنها عدد من الأتراك اثناء محاولتهم ايصال مساعدات الى الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة. هذه التطورات التي لم تصل الى مستوى القطيعة مع الكيان العبري، كانت أحد تجليات المنافسة مع إيران الداعمة لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق.
كما تأتي سياسة إضعاف النظام السوري في سياق تحجيم قوة إيران التي تتخوف تركيا من تحولها الى دولة نووية، لذلك وافقت الأخيرة على نصب درع صاروخي مضاد للصواريخ على أراضيها، مع علمها أن هذا الدرع موجه ضد الجمهورية الإسلامية بالدرجة الأولى.
على ما يبدو أن القضية لا تتوقف عند حدود التنافس الشيعي السني، بل تتعداه الى التنافس السني السني والعربي العربي. فمنذ اندلاع الانتفاضة في ليبيا على نظام العقيد معمر القذافي كانت تركيا حذرة في تأييد الثورة ورافضة للتدخل ضد النظام، لكن حين بان الخيط الأبيض من الأسود، شاركت في عملية حلف شمال الأطلسي في الهضبة الإفريقية، لأن بقاءها بعيدة عن مزاج الشارع سيساهم في الحد من حضورها السياسي في العالم الإسلامي (مع الاشارة الى أن رئيس حكومة تركيا رجب طيب أردوغان، حاصل على جائزة القذافي للسلام). وبالتالي حافظت أنقرة على مصالحها الاقتصادية والاستثمارية في هذا البلد العائم على بحور النفط.
وانخرطت وريثة بني عثمان في خطط حلف شمال الأطلسي، وبدأت بتنفيذ سياسة واشنطن بالتعاون مع وكيل أميركي آخر في المنطقة هي قطر في دعم وصول الإسلاميين إلى السلطة. وبالتالي ستؤدي هذه السياسة الى منافسة دور القاهرة عربياً والرياض إسلامياً.
من هنا جاءت سياسة تقارب واشنطن مع الإخوان المسلمين لتضرب عصفورين بحجر واحد. الأول الضمانة التركية في ترويض هذه الحركة على اعتماد نموذج الإسلام التركي العلماني البراغماتي، والثاني نيل الولايات المتحدة رضا الشارع العربي بدعمها قوىً مقبولة شعبياً. كل ذلك يصب في تعزيز سياسة التسوية بدل المقاومة العسكرية مع إسرائيل. لعل رعاية أنقرة لمفاوضات غير مباشرة بين السوريين والإسرائيليين منذ سنوات كانت تسير في هذا الاتجاه.

أيضاً، لا ننسى أن ثمة مصلحة أخرى أصبحت ملحّة للأتراك في تغيير النظام السوري، تتعلق بوقف الدعم اللوجستي لحزب العمال الكردستاني الذي عادت سوريا لتمسك بورقته ضد جارتها اللدود بعد توتر العلاقات أخيراً.
بيت القصيد من هذه العجالة، ليس الدفاع عن النظام السوري ولا ترسيخ فكرة المؤامرة لتعزيز ممارسات هذا النظام القمعي ضد شعبه، بل الهدف هو لفت الانتباه الى أن هذه “النخوة” العربية التركية لم تأت من فراغ، خصوصاً اذا علمنا أن أنظمة هذه الدول لا تتمتع بديموقراطية حقيقية لا تجاه الأكراد في تركيا ولا تجاه الشعوب العربية في دول الخليج، والتي لا يزال الإستبداد من طبائعها الفاضحة.

اقرأ للكاتب نفس:

تعليق واحد

  1. جواب صريح من كاتب المقال:

    باسمي وباسم كل من عنده حس اسلامي نحن بانتظار العثمانيين ومساندتهم ومؤازرتهم والوقوف معا صفا واحدا معتصمين بحبل الله جميعا ولا نتفرق كما امر ربنا وكل يحشر على نيته . ما اجمل صداقة التركي المؤمن . وما اجمل الحكم بما انزل الله عزوجل والحكم بما انزل الله آت انا نراه قريبا والمنافقون يرونهم بعيدا

    تاريخ نشر التعليق: 2012/01/24

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings