الرئيسية » خاص «برس - نت» »

أسرى يتذكرون: فلسطيني في سوريا

طارق العلي

في ظل الثورات العربية القائمة، نستذكر اليوم تجارب من قاوموا الإحتلال وعانوا مرارة الإعتقال من معتقل “انصار” في جنوب لبنان الذي اعتقل فيه العدوالإسرائيلي كل من كان يقف مواجهاً من كافة الطوائف والأحزاب، مروراً بالمعتقلات السورية (تدمر، المزّة) والتي فاقت إجرام العدو الصهيوني في التعذيب الجسدي والنفسي وصولاً إلى سجون الإحتلال الأميركي في العراق (أبوغريب)، والتي ذاع صيتها نظراً لما ورد عنها. فأصبح القاصي والداني يعرف الوحشية الاميركية في معاملة الاسرى لتظهر إلى العلن الصورة الحقيقية لـ”الديمقراطية الأميركية”. اختلف السجّان لكن المعاملة واحدة، كل الإتفاقات الدولية وعلى رأسها معاهدة جنيف لمعاملة الأسرى ضُربت بعرض الحائط، سجن وتعذيب ومعاناة برزت على أجساد المُعتقلين ثمناً لمقاومتهم.

في أيار 1985 اشتعلت الحرب بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة أمل اللبنانية التي كانت مدعومة سورياً وبمساندة من اللواء السادس الذي انشق عن الجيش اللبناني إبَّان انتفاضة السادس من شباط 1984. حرب دارت رحاها في المخيمات الفلسطينية في بيروت والجنوب اللبناني وعُرفت باسم حرب المخيمات واستمرّت حتى تموز 1988. طوال سنتين ونصف السنة، أمعنت حركة أمل قصفاً وقتلاً في سكان المخيمات الفلسطينية الذين لم يكن لهم أي علاقة في تلك الحرب سوى كونهم داعمين لياسر عرفات الذي أرادت دمشق حافظ الأسد كسره للسيطرة على القرار الفلسطيني.

انتهت حرب المخيمات مع دخول قوات الجيش السوري إلى لبنان الذي فرض سيطرته التامة على المخيمات الفلسطينية لتبدأ مرحلة جديدة من الإعتقالات العشوائية بحق الشباب الفلسطيني الذي توحّد للدفاع عن حياته وحياة أهله في المخيمات، من بين هؤلاء التقت “أخبار بووم” بأبو جورج وهو أحد الكوادر العسكرية في حركة فتح (أبو عمار). انخرط في الكفاح المسلّح أثناء حرب المخيّمات واعتُقل في 16-6-1987، فكان أن أفرغ مكنونات قلبه.

“اُسرت في بيروت وتم تسليمي من قبل عناصر تابعة للقوات المناوئة لمنظمة التحرير الفلسطينية والمؤيد لسوريا الى المخابرات السورية. كان الهدف من حرب المخيمات ابعاد جماعة “ابو عمار” من بيروت، و بدأت حرب المخيمات بين مؤيدي منظمة التحرير الفلسطينية ومؤيدي سوريا (القيادة العامة والصاعقة) نتج بعدها اعتقال قسم كبير من المقاتلين التابعين لحركة فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية للضغط عليه، علماً ان عمليات الاعتقال كانت عشوائية، و بما انني انتمي لطرف معارض انذاك كان هذا كافياً لاعتقالي.

“عند اعتقالي تم نقلي إلى الريفييرا وبعدها نقلوني الى مفرزة “المهنية العاملية” في حارة حريك. انا لم أكن أحب أبو عمار ولا أوافق على كل سياساته ومشاركتي في حرب المخيمات كانت للدفاع عن أهلي وعائلتي في المخيم.

“ابرز التهم التي وُجهت إليّ كانت الانتماء الى اليسار الضال والانتماء الى يسار فتح بالإضافة إلى العديد من التهم الأخرى الأخرى الملفّقة بالتخريب والقتل القيام بعمليات عسكرية ضد القوات السورية في بيروت.

حين دخلتُ الى المفرزة لم اكن اعرف التهم الموجة لي، وضعوني في الحمام وعند الساعة 12 ليلاً دخلت علينا قوات الامن واخذونا الى التحقيق، فخرجنا من الحمام الى الغرفة المجاورة حيث يوجد كراسي ودواليب وكابلات الكهرباء. كنا 8 اشخاص في الغرفة، عندما دخلناها بدأوا بضربنا من 12 ليلاً حتى 3 فجراً. بعد الضرب بدأ التحقيق معي. كانت الاسئلة تتمحور حول ارشاد القوات السورية الى مراكز واماكن تواجد مسؤولين في منظمة التحرير (فتح، جبهة شعبية، جبهة ديمقراطية)، هذا في الضاهر ولكن في الباطن تبين ان القصة ليست قصة ابو عمار وإنما ضربة للفلسطنيين في لبنان ولإقصاء نفوذ منظمة التحرير وسيطرة السوريين على المخيمات وبالتالي السيطرة على القرار الفلسطيني.  كنت اتمنى ان اُعذب على ايدي الاسرائيليين و ليس على ايدي السوريين.

“بقيت اسبوعاً كاملاً في المهنية العاملية، اسبوع كامل من التعذيب، ثم انتقلت الى البوليفار (الروشة) في البداية وعند دخولي الى هناك كان رستم غزالي موجوداً في مكتبه. ومكتبه معروف بـ”المسلخ”. دخلتُ الى هناك و كان استقبالي مشّرفاً! عذبوني بكراسي الكهرباء.

قضيت في البوليفار 15 يوماً وكانوا يضربوننا بكابلات الكهرباء لان الكابل يفتح الجلد وكانوا يتعمدون ضربنا في الاماكن المؤذية من الجسم.

“لم يتمكن أحد من رؤيتي وعندما يأتي أحد للمطالبة بإطلاق صراحي كانوا ينكرون وجودي لديهم. لاحقاً نقلوني الى عنجر حيث بقيتُ هناك لمدة اسبوع. و تتابع مسلسل تعذيبي ورواية الضرب والتعذيب موجودة في كل المعتقلات السورية.

عند النقل من مفرزة الى اخرى تنسى ما تعرضت له في المفارز السابقة لان عند الاعتقال والنقل من مفرزة الى اخرى، كنا ننتقل من مرحلة تعذيب الى اخرى اصعب، وعند انتقالي من البوليفار الى عنجر حكماً كان هناك وسائل جديدة واعنف في التعذيب. كان الضرب يتم بواسطة كابلات الكهرباء حتى يفتح الجلد وعند الانتهاء يضعون ملح ويفركون اماكن الجروح حتى تشعر بأن ناراً داخلك. وكانوا ايضا يعلّقون الاشخاص لساعات في الهواء.

سبق لي و اعترفتُ في البوليفار انني موالٍ لليسار الفلسطيني وكان هناك اثباتات ان احد قاطني المخيم هو الذي بلّغ عنيّ، و ذهابي الى عنجر لم يكن سوى عملية تحضير لإنتقالي الى “فرع فلسطين” في سوريا حيث بقيت معتقلاً لمدة 5 سنوات تقريباً ولم أخضع للمحاكمة.

“ان التعذيب الذي تعرضنا له لم يكن في الضرب فقط بل في الطعام ايضاً، كنا 90 معتقلاً في غرفة عبارة عن 4 امتار بـ4 أمتار و في الغرفة ذاتها نأكل و نشرب و نبول فيها، ولا يوجد حمام، اما الاكل كان عذاباً آخر، حيث كان الفطور عبارة عن 3 او 4 حبات من زيتون مع قطعة صغيرة من الخبز. كل المعتقلين يعانون ويتعذبون من الجرب و الحساسية اكثر من الضرب، فأنا لم يسمح لي بالاستحمام الا بعد 11 شهراً و كنت انزف دماً من تحت إبطي ومن بين اصابع قدمي.

“بقيت في التحقيق المتواصل لمدة 9 اشهر، وعند التحقيق مع شخص آخر يسأله عنك، واذا اثُبِتَ لهم انه يعرفك يعاودون التحقيق معك من جديد. بعد انتهاء عملية التحقيق تتم عملية فرزنا الى الغرف ولكن التحقيق يبقى قائماً ويُسأل عنك مع كل معتقل جديد.

“انا وجميع زملائي في الاعتقال كانت تهمتنا الانتماء الى اليسار الضال والتحقيق لم يُغلق ابداً. انا بعد سنتين ونصف من الاعتقال قاموا بالتحقيق معي من جديد وتواجهت مع شخص اعترف بأنني اطلقت النار على القوات السورية في بيروت.

“بعد 9 اشهر من الاعتقال في سوريا عرف اهلي باعتقالي من خلال مسجون كان معي في الغرفة، فأرسلت مع شخص تجمعنا به صلة قرابة، رسالة وعندما اتت زوجته لزيارته قام بنقل الرسالة لها وهي بدورها نقلتها الى اهلي. فالزيارة كانت كل 3 اشهر مرة و الاغراض التي يجلبونها لك تصادر ولا ياتيك إلا القليل.

“في 13 آذار 1992 اثناء حرب العراق، تجمع المعتقلون في الساحة، حيث القى العميد مصطفى التاجر كلمة بالمناسبة جاء فيها ان عملية الاسر كانت غلطة سياسية بين القيادة وابو عمار، بعدها تم الإفراج عنا حيث نُقلنا إلى منطقة برالياس في البقاع اللبناني، ورُمينا هناك بدون أي شيء يمكننا من الوصول إلى بيوتنا.

“في معتقل فلسطين كنا أكثر من 2000 معتقل بين فلسطينيين ولبنانيين وعراقيين. وكان اللبنانيون يعذَّبون اكثر من الفلسطنيين بسبب عملهم وصلاتهم مع الفلسطينيين، كأن الفلسطينيين يهود.

“مما أذكره أنه كان معنا في المعتقل فتيات لبنانيات تم اعتقالهن بسبب ولائهن للجنرال ميشال عون الذي كان على خلاف مع النظام السوري، كنا نسمع أصواتهن في الليل وهن يتعرضن للتعذيب والإغتصاب. وللمفارقة كان معنا عميل من جيش لحد في الغرفة وكان يفتخر بعمالته مع اليهود وبعد 6 اشهر افرج عنه.

خلال الإعتقال وبعده زادت قتاعتي بمبادئي و تمسكت اكثر بها، وأذكر أن لقاءاً حدث أثناء اعتقالي مع “ابو عمار” وسُئل خلاله عن ملف الاسرى الفلسطنين في السجون السورية فأجاب: “ما تحكوني فيهن هؤلاء شهداء”. نحن اعتقلنا لاجل حرية واستقلالية القرار الفلسطيني ودفاعاً عن أهلنا، وعملية اعتقالنا لم تكن أكثر من ورقة ضغط من الاسد على عرفات.

طبعاً مازال هناك معتقلين في السجون السورية والسجون السورية كثيرة وابرزها ( فلسطين والمنطقة والمزة). والمنطقة اصعب من فرع فلسطين لناحية التعذيب حيث كان مخصصاً للكوادر السياسية.

في السجن وصلت لمرحلة فكرت فيها بالانتحار نتيجة التعذيب الذي تعرضتُ له، فأنا كنت انظر لسوريا قبل اعتقالي بأنها دولة عربية و دولة ممانعة اما اليوم اراها بالعكس تماماً فهي قامت بإحراق الشعوب من سوريا إلى لبنان وفلسطين.

اقرأ للكاتب نفس:

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings