لبنان ونوستالجيا التغيير

najat-charaf-dineنجاة شرف الدين

في كل مرة تتشكل حركة إحتجاجية شعبية تعترض على نظام المحاصصة الطائفي ، وتشكل ضغطا فعليا بتحركها على السلطة السياسية القائمة في لبنان ، تسارع القوى السياسية الحاكمة الى الوقوف بوجه هذا التحرك عبر الالتفاف عليه ، تارة بحجة رفع سقف المطالَب التي تحتاج الى وجود المؤسسات لإقرارها والأولويات وطورا بحجة المشاغبين المندسين في التحرك الذين قاموا بالتخريب والتكسير لمؤسسات خاصة وعامة .
في السابق حصلت إعتراضات عديدة في الشارع وكان أكبرها التظاهرة الحاشدة المؤيدة لإلغاء الطائفية السياسية ، التي جابت مناطق من الأشرفية وصولا الى الصنائع، ولم تحقق هدفها ، ومؤخرا حشدت هيئة التنسيق النقابية تحركات كبرى عابرة للطوائف، وفشلت في إقرار سلسلة الرتب والرواتب . وفيما بعد إستمرت الإعتراضات الاحتجاجية والتي  اقتصرت المشاركة فيها على أعداد قليلة، منها تأييد الزواج المدني الاختياري  والعنف ضد المرأة والمطالبة بإعطاء الجنسية لزوج وأولاد اللبنانية وغيرها من التحركات التي تؤسس لمجتمع مدني ، إلا أنها لم تنجح في إختراق الجدار الطائفي المحاصصي في الدولة .
بعد سلسلة عمليات الإحباط المتكررة التي أُصيب بها اللبنانيون بكافة مطالبهم ولا سيما منها ما يتعلق بالحد الأدنى من الحقوق المدنية، وهي  من المفترض أن تكون من البديهيات ويتم تأمينها دون إحتجاج ، لأنها مسؤولية السلطة التشريعية والتنفيذية ، أصبحت اليوم مطلبا جماهيريا ويحتاج الى تحركات شعبية من أجل تحقيقها، وهي الكهرباء والنفايات والمياه ، قبل الحديث عن التعليم والصحة .
بالطبع سياسية المحاصصة الطائفية التي عاشها لبنان لعقود، رسّخت مفاهيم أصبحت مع الوقت وكأنها من المسلمات في العمل النيابي والوزاري ، في تقاسم المشاريع والتعيينات والعمولات والصفقات والسمسرات ، والتي تترافق بالضرورة مع تقاسم طائفي يمنع أي تحرك ذو وجه مدني، من أن ينجح في تحقيق إختراق في جدار النظام الطائفي الذي يحمي مصالح المتربعين على عرش السلطة .
في الثاني والعشرين من آب ، قرر اللبنانيون مجددا أن يخوضوا تجربة مواجهة سلطة المحاصصة الطائفية الفاسدة، نزولا الى ساحة رياض الصلح بدعوة من تجمع ” طلعت ريحتكم ” ، إحتشد اللبنانيون وتركوا ألوانهم السياسية وراءهم  ، طالبوا بالتغيير ، فرحوا باللقاء من دون تحريض أو أجندة باتجاه الآخر ، شعروا للحظة أنهم على باب انتفاضة تنقذهم من الهجرة والفقر وعدم الاستقرار والتخويف من الآخر، لم تطل هذه اللحظة حتى تنبّه إليها المتربعون على كراسي الحكم ، وأحسوا بتهديد مواقعهم ، فحاولوا الإلتفاف عليها، أرسلوا رجالهم البواسل لإختراق الوحدة أو المصيبة التي جمعت كل اللبنانيين دون أن يتنبهوا الى مذاهبهم ، فعاجلوهم بكمية من ” الفوضويين ” حتى لا نقول ” الزعران ” الذين حولوا المشهد الى ساحة مواجهة مع القوى الأمنية .
في كل مرة يشعر فيها البعض  بفرصة إحداث تغيير ما في الحياة السياسية والديمقراطية ، ينقضّ النظام الطائفي التقاسمي المتحكم بمفاصل الإدارة لمؤسسات الدولة والأمن ، على من يحلم بدولة مدنية وعادلة تحمي مواطنيها على أساس إنتمائهم الوطني وليس الديني أو المذهبي ، وتمارس سياسة المحاسبة وتُبعد القضاء عن السياسة ، يأتي الرد سريعا من أصحاب المكاسب السلطوية ،  بأن هذه النماذج ستبقى أحلاما يمكن تحقيقها إما بالهجرة أو بالنوستالجيا من وقت لآخر ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *