رحيل ثائر الكلمة الشاعر أحمد فؤاد نجم
شيعت يوم الثلاثاء جنازة الشاعر المصري الكبير أحمد فؤاد نجم أحد أبرز شعراء العامية المصرية والذي عرف بأشعاره المناهضة ذات النقد اللاذع لأنظمة الحكم المتعاقبة في بلاده.
وشارك في الجنازة سياسيون منهم محمد أبو الغار رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي ورفعت السعيد الرئيس السابق لحزب التجمع والشاعر زين العابدين فؤاد الذي كتب على موقع فيسبوك “مشينا سوا-اتسجنا سوا-كتبنا سوا. الموت لا غيب الشيخ إمام (عيسى) ولا هيقرب منك-لأنك مش الجسد.”
وشارك في الجنازة أيضا مرشحا الرئاسة السابقان خالد علي وحمدين صباحي الذي كتب في تويتر “عمال وفلاحين وطلبة.. يودعون اليوم صوتهم العفي النقي الجسور.. وداعا شاعر الشعب.”
وفي نعي لنبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية وصف نجم بأنه “فقيد مصر والعالم العربي… الذي أثرى الحياة الثقافية المصرية بأشعاره العامية التي عبرت عن الروح المصرية الأصيلة ووقفت ضد الظلم والطغيان على مر العصور… سيظل علما من أعلام شعراء العامية المصرية ورمزا للنضال والكفاح على مر الأجيال.”
وكتب الإعلامي حمدي قنديل في تويتر “فقدنا رجلا نادرا لم يستمع طيلة حياته إلا لصوت ضميره.”
ولد نجم عام 1929 في إحدى قرى محافظة الشرقية بشمال البلاد. وبعد وفاة أبيه ألحقته الأسرة بملجأ خيري يوفر للأطفال اليتامى والفقراء الإعاشة ويدربهم على تعلم بعض الحرف اليدوية.
وفي سيرته الذاتية التي حملت عنوان (الفاجومي) روى نجم أنه ظل بالملجأ تسع سنوات ثم عمل ببعض المهن إلى أن عين بوزارة المواصلات ثم قبض عليه عام 1960 بتهمة الاشتراك مع زميل له في تزوير أوراق رسمية وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات تعرف خلالها على معتقلين شيوعيين.
وفي السجن استمع نجم إلى قصائد لشاعر العامية المصرية البارز فؤاد حداد الذي كان في معتقل آخر ضمن ماركسيين اعتقلهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1959.
بدأ نجم كتابة الشعر عام 1961 في سن الثانية والثلاثين ولفتت موهبته انتباه مسؤولي السجن فنظموا له أمسيات شعرية ونشرت قصائده في مجلة كانت تصدرها مصلحة السجون. وجمع قصائد ديوانه الأول (من الحياة والسجن) وتقدم به إلى إحدى المسابقات فأوصت الدكتورة سهير القلماوي رئيسة المؤسسة المصرية للتأليف والنشر (الهيئة المصرية العامة للكتاب حاليا) بنشره وكتبت له مقدمة.
ومنذ نهاية الستينيات شكل نجم مع الملحن والمطرب الشيخ إمام عيسى (1918-1995) ثنائيا مزعجا للسلطات المصرية وأدت تلك الأغاني إلى اعتقالهما في عهد عبد الناصر وكذلك في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
وكانت أولى قصائده المزعجة تسخر من عبد الناصر والنظام والجيش بعد احتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء في حرب 1967 ويقول في بعض سطورها..
“يا أهل مصر المحمية بالحرامية.. الفول كتير والطعمية والبر عمار/ وكفاية أسيادنا البعدا.. عايشين سعدا.. بفضل ناس تملا المعدة وتقول أشعار/ أشعار تمجد وتماين.. حتى الخاين.. وان شا الله يخربها مداين عبد الجبار” في إشارة إلى عبد الناصر.
ولكن نجم رغم ذلك كان يحب عبد الناصر ويراه أكثر من أخلصوا لمصر وأحبوها. ثم رثاه بقصيدة (زيارة إلى ضريح عبد الناصر) وتبدأ بقوله..
“السكة مفروشة تيجان الفل والنرجس/ والقبة صهوة فرس عليها الخضر بيبرجس/ والمشربية عرايس بتبكي والبكا مشروع/ من دا اللي نايم وساكت والسكات مسموع/ سيدنا الحسين؟ ولا صلاح الدين ولا النبي ولا الإمام؟”.
وفي المقابل حكم على نجم بالسجن بتهمة السخرية من السادات حيث كان يقلد طريقته في إلقاء قصيدته (بيان هام) التي تشير إلى وصفه للسادات باسم كودي هو “شحاته المعسل”. والمعسل في مصر هو التبغ المستخدم في تدخين النرجيلة وتبدأ القصيدة بتقديم المذيع..
“نقدم إليكم ولا تقرفوش/ شحاته المعسل بدون الرتوش/ شبندر سماسرة بلاد العمار/ معمر جراسن للعب القمار/ وخارب مزارع وتاجر خضار/وعقبال أملتك أمير الجيوش/ ما تقدرش تنكر تقول ما اعرفوش/ ما تقدرش أيضا تقول ما اسمعوش/ شحاته المعسل حبيب القلوب/ يزيل البقع والهموم والكروب/ يأنفس يأفين يبلبع حبوب/ ويفضل يهلفط ولا تفهموش/ وتفهم ما تفهم دا ما يهمناش/ لأن انت فاهم وعامل طناش/ ح تنكر وتحلف ح أقول لك بلاش/ ح تتعب دماغنا وتتعب كمان.”
وفي القصيدة نفسها يلقي شحاته المعسل بيانا مطولا يتضمن إشارة إلى محمد رضا بهلوي شاه إيران الراحل الذي كان صديق السادات..
“أخويا الأمير بزرميط الإيراني/ بعت لي السنة دي عزمني ودعاني/ أنا قبلت طبعا ورحت العزومة/ وكانت وليمة ما تحصلش تاني/ ما شفتش هناك ناس بتحقد عليهم ولا ناس بتشتم فلان الفلاني/ لأنه اشترى عزبتين من شطارته وحكمة إدارته/ ح يطلع لي عيل بدون أي حاجة/ ويعمل لي فلحس ويقعد يحاسب/ دا حقد اشتراكي أنا ما اقبلوش/ ولو هو ابني أنا ما اعتقوش.”
وبسبب هذه القصيدة حكم على نجم في مارس اذار 1978 بالحبس سنة مع الشغل والنفاذ بتهمتي إهانة رئيس الجمهورية وإثارة الفتن. وظل نجم هاربا من تنفيذ الحكم أكثر من ثلاث سنوات إلى أن قبض عليه أثناء حملة طالت 1536 مثقفا وصحفيا وسياسيا من رموز المعارضة في سبتمبر أيلول 1981.
وفي عام 1974 استقبل نجم خبر وصول الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى مصر في أول زيارة لرئيس أمريكي للبلاد بقصيدتيه (حسبة برما بمناسبة زيارة ابن الهرمة) و(شرفت يا نيكسون بابا) التي يقول في بعض سطورها..
“شرفت يا نيكسون بابا يا بتاع الووترجيت/ عملوا لك قيمة وسيما سلاطين الفول والزيت/ فرشوا لك أوسع سكة من راس التين على مكة/ وهناك تنفد على عكا/ يقولوا عليك حجيت.”
وتزوج نجم عدة مرات وأنجب من الكاتبة البارزة صافي ناز كاظم ابنته الكاتبة والناشطة السياسية نوارة نجم عام 1973.
وصمت نجم عن الشعر السياسي سنوات طويلة ثم عاد إلى مشاغباته في نهاية حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك بقصائد ساخرة منها (ألف سلامة لضهر سيادتك) بعد أن أغشي على مبارك خلال إلقائه كلمة في مجلس الشعب في نوفمبر تشرين الثاني عام 2003 وأجريت له جراحة في الظهر في ألمانيا في يونيو حزيران عام 2004. ثم كتب (عريس الدولة) بعد إعلان خطوبة جمال مبارك عام 2006 ويقول في مقطعها الأخير..
“يا عريس الدولة افرح واتهنى/ ما احناش كارهينك لكن هارشينك/ ح تكمل دينك وتطلع دينا”.
وفي أغسطس اب 2007 اختارت المجموعة العربية في النداء العالمي من أجل مكافحة الفقر نجم ليكون ناطقا في المحافل الدولية باسم فقراء العالم العربي وسفيرا لفقراء العالم إلى جانب الزعيم الإفريقي نلسون مانديلا.
وبمناسبة اختياره قال نجم بسخريته المعتادة إنه سيشكل حكومة عالمية من وزرائها السيد المسيح وعلي بن أبي طالب القائل “لو كان الفقر رجلا لقتلته” وأبو ذر الغفاري القائل “إذا جاع أحد فلا أمان”.
وشارك نجم في الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكم مبارك في مطلع 2011 ثم كان من أشد المعارضين لحكم الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين والذي عزل في الثالث من يوليو تموز بعد احتجاجات حاشدة في عموم البلاد.
وعن حياة نجم صدر عام 2007 كتاب (شاعر تكدير الأمن العام.. الملفات القضائية للشاعر أحمد فؤاد نجم.. دراسة ووثائق) لصلاح عيسى. كما أخرج عصام الشماع عام 2011 فيلم (الفاجومي) الذي يستعرض حياة نجم.