الرئيسية » أخبار العرب »

إنهم لا يتعبون … من الهجوم على الإسلام

ألآن غريش

فرنسا في أزمة، وكذلك بقية أوروبا. قبرص هي حلقة جديدة  ( ولكن هل تكون الأخيرة؟) من هذه الدوّامة الجهنمية: نشهد اهتزازاً في النظام المالي، وحالة تقشف تفرض على الشعوب باسم تشديد حسابي لا يمسّ المصارف ولا الأثرياء، دون أن يمنع هذا من أن تتزايد البطالة وتشتد المعاناة.
لكن أشياء كثيرة لم يٌكشف عنها، فالخطر الحقيقي الذي (يقال لنا إننا) نواجهه والذي يهدد هويتنا وسبب وجودنا، ويشعرنا أننا نفقد بلادنا، لا يتمثل برجال المال والسياسة، لكن بوجود المسلمين، هؤلاء الغرباء «المجردين»، «رديئي العادات» الذين هم مصدر كلّ شرّ. وهذا ليس استهدافاً لكافة الأديان على نحو عام، إذ يكفي ملاحظة التقدير البالغ والاحترام اللذين استقبل بهما البابا الجديد، الحديث هو  عن ديانة محددة أي الإسلام. فالإسلام يختلف ثماماً عن المسيحية التي يبدو أنها سمحت بتطوير العلمانية (وهي المقولة التي تردد من دون فهم عميق لها لصيغة  «أعط ما لقيصر لقيصر، وما للّه للّه»، وكأنّ كل تاريخ المسيحية انعكس في هذه المقولة).

ولحسن الحظّ، يفهم عامة الشعب جيداً وجود هذا التهديد وذلك على عكس النخبة. فيطالب المواطنون بإجراءات وقوانين وعقوبات، وبالطبع يبدو أنه على السلطات أن تصغى لما يريده الشعب ولا يجب وضع هذا الإصغاء تحت عنوان الشعبوية الديماغوجية. يقودنا هذا للتساؤل ما إذا كان يجب التصويت على العودة تنفيذ عقوبة الإعدام في حال طالب بها الرأي العام؟
إن واقع حال الرأي العام لا يدعو إلى الطمأنينة، ويبدو أن المضايقات والتهديدات الإسلامية تثير قلقه، وقد ظهر ذلك جلياً في التقرير الأخير الصادر عن «اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان» (CNCDH). وكذلك كما جاء في صحيفة «لوموند» (في عدد 21 آذار/مارس ٢٠١٣) «الأعمال المعادية للمسلمين في تزايد للسنة الثالثة على التوالي»:
«بحسب رئيسة اللجنة الوطنية الاستشارية  لحقوق الإنسان /كريستين لازيرج/ (Christine Lazerges)، كافة هذه المؤشرات هي انعكاس لأوضاع مختلفة ومتباينة. وهي ترى أنه «بالنسبة إلى معاداة السامية، فالأسباب هي ظرفية»، وتربطها بقضية «محمد مراح»* وأيضاً بالهجوم على متجر للمأكولات اليهودية  في منطقة «سارسيل» (Sarcelles) في أيلول من نفس السنة.

بالمقابل تقول بإن «الأعمال المعادية للأسلام التي أحصيت منذ عام ٢٠١٠، تثير القلق بشكل أكبر»، وتظيف بأنها «ظاهرة أكثر بنيويةً، لأننا نلحظ هذا التزايد منذ ثلاث سنوات متتالية» وتشرح بأن «أعداد ما زالت منخفضه لكنها تمثل رأس جبل الجليد المخفي».
تدعم هذه المؤشرات نتائج استطلاع أجراه معهد «سي أس أي»، ونشر في تقرير اللجنة الاستشارية الوطنية لحقوق الإنسان. شمل الاستطلاع عينةً من 1029 شخصاً بين 6 و12 كانون الأول 2012، وأظهر أنّ رؤية الفرنسيين للإسلام تزداد سلبية، إذ يرى 55% من المستطلعين أنّه «لا يجوز تسهيل ممارسة الشعائر الإسلامية في فرنسا» (بزيادة 7 نقاط مقارنةً باستطلاع عام 2011). ولا تمتد هذه الظاهرة لتشمل الديانات الأخرى.
تظهر هذه الاستطلاعات أن جزءاً من مناصري اليسار (الاشتراكيين والخضر وجبهة اليسار) يتشاركون رهاب الإسلام «الإسلام فوبيا». وبدل مكافحة هذه الظاهرة المقلقة التي ساهمت وسائل الإعلام من كلّ حدب وصوب في الترويج لها (حتى تلك الصحف المحسوبة على اليسار مثل «ماريان» (Marianne) أو «لو نوفيل أوبسرفاتوار»، حيث يمكن قراءة مقال «الخداع هي كلمة سرّهم» نراهم يزايدون في هذا الاتجاه) فهي تدعو  إلى اتخاذ إجراءات جديدة وسنّ قوانين إضافية، تهدف على نحو خاص إلى «تحرير» النساء المسلمات (وتجدر الإشارة إلى أن ذلك كان أيضاً هدفاً لأكثر من قرن في الجزائر، وفشلنا فيه، فهل حان وقت الانتقام!).
لذا يجب سنّ تشريعات بشجاعة وثبات، خصوصاً بعد صدور حكم التميز في قضية دار الحضانة «بايبي لو» (Babyloup) في مدينة «شانتلو لي فينيو» (Chanteloup-les-Vignes)والذي أبطل في في 16 آذار/مارس قرار تسريح موظفة ارتدت الحجاب. وجاء في حثيات الحكم أن مبدأ العلمانية لا يطبق في مؤسسة خاصة.

وجاء في صحيفة «ليبيراسيون» في ٢٢ آذار/مارس : «طلب المدافع عن الحقوق «دومينيك بوديس» (Dominique Baudis) في رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء بعد  بعد هذه القضية. من المشرّع «توضيح» القانون المتعلق بالعلمانية وأوصى بالقيام باستشارات واسعة مة والتوصية باستشارة واسعة.  ويقول بوديس في رسالته إلى «جان مارك أيرو» (Jean-Marc Ayrault) رئيس الوزراء  «الضروري اصدار توضيح من قبل المشرّع» في هذا الشأن ، مشيراً إلى أن قضية دار الحضانة تبرز «صعوبات في فهم «النص التشريعي»».

وقد دعمت المجلة الأسبوعية «ماريان» القضية من خلال «دعم الدعوة إلى قانون جديد حول الرموز الدينية»: وكتبت تدكر بأن  « المشروع المتعلق بدور رعاية الأطفال والحضانات، جرى التصويت عليه بعد أن قدمه الحزب الراديكالي اليساري العام الماضي في مجلس الشيوخ، وبخلاف القوانين الأخرى لم يخطط له وقتاً كافياً مثل بقية النصوص الاجتماعية، وهو لم يطرح بعد أمام الجمعية الوطنية.

وفي الجمعية الوطنية، تجاوز وزير الداخلية «مانويل فالس» (Manuel Valls)  القواعد المعمول بها والتي تمنع الوزير من التعليق على قرار قضائي وصرح «سأضع مسؤلية مركز جانباً  لأقول لكم كم أنا آسف لقرار محكمة التمييز في ما يتعلق بحضانة «بايبي لو»، الذي قوض للعلمانية (اقرأ  «لو بوان» (Le Point): «سيدي وزير الداخلية، أنتم تخطئون!»).
لم تحرك المجلة ساكناً أمام انتهاك قواعد الوزير لقواعد  الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية. لسان حال المجلة، «نحن في حالة حرب»: هل معنى ذلك أن تذهب قواعد دولة القانون القديمة إلى الجحيم! فلنتذكر أن وزير الداخلية هذا، مانويل فالس، الذيالمحبوب جداً من اليمين، كان قد أعلن، باسم العلمانية بالطبع، أنه: (عبر زوجته)، فإن علاقته بالمجتمع اليهودي وبإسرائيل هي أبدية  (راجع «إن أحببتم كلود غيان، فستعشقون مانويل فالس»)، وهو يرى أنّ الحرب على الحجاب «يجب أن تبقى معركة أساسية للجمهورية»، لكنه في نفس الوقت يؤكد حق اليهودي في اعتمار القلنسوة بفخر (رغم أنها رمز ديني يمنعه القانون).
وتتابع «ماريان»: «هنا أيضاً تناقض إضافي بين التعهدات السياسية والواقع المرير: إذ كان المرشح فرنسوا هولاند قد شدد خلال حملته الانتخابية على أن العلمانية ستكون من دعائم «الجمهورية المثالية» وأنه سيحفر مبادئها في الدستور. وعوضاً عن التذكير بهذه الوعود الرمزية لم يكن أمام باتت من الأمور الملحة: السعي لتحقيق ما اقتراحه الموقعون (ومن بينهم العديد من البرلمانيين) للنداء الذي ننشره، والذي يدعو إلى وضع قانون جديد يغلق بسرعة الثغر القانونية التي يمكن لبعض المزايدين الهواة استغلالها، وقد شجعهم قرار محكمة التمييز.
كان التبرير ا لرئيس الفرنسي الأول للتدخل العسكري في مالي هو الرغبة بـ«حماية النساء»: إن نساء »شانتلو لي فينيو» يستحقن الحماية أيضاً.

نتسائل: هل تحمي القوات الفرنسية النساء في مالي كما تحميهن قوات حلف الأطلسي في أفغانستان؟

من سوف يذكّر يأن قانون ١٤ آذار /مارس ٢٠٠٤ (المتعلق بحظر الرموز الدينية في المدارس الرسمية) قد أدانته مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وأعطيت فرنسا ستة أشهر للإجابة على تساؤلاتها حول هذا القانون؟ (اقرأ «الرموز الدينية في المدارس: الأمم المتحدة تدين فرنسا وتدعوها إلى إعادة النظر بقانون ١٥ آذار/مارس ٢٠٠٤»).
استناداً إلى استفتاء للرأي أجراه  مركز «إيفوب» (Ifop) ونشر في صحيفة «ويست فرانس» (Ouest France)، فإن ٨٤ في المئة من الفرنسيين يعارضون ارتداء الحجاب في أماكن العمل الخاصة التي تستقبل الناس (في المحلات التجارية والمخازن الكبرى وعيادات الأطباء والحضانات والمدارس الخاصة). لا يهم تناقض قرارات كهذه مع كافة الاتفاقيات الدولية والأوروبية: فهذه فرنسا، الدولة العظمى التي تنير مستقبل الإنسانية.
وفي هذا الاثناء، يتقدم اليمين المتطرف بهدوء في أوروبا، ويظهر جلياً من خلال انتخاب أوسكار فرايزينغر في سويسرا («اليمين المتطرف الأوروبي يرحب بانتخاب أوسكار فرايزينغر» ٢٢ آذار/مارس)، هذا الرجل الذي اشتهر بعد الفوز باستفتاء يمنع بناء المآذن في سويسرا. فلنراهن أنه سيفرح كثيراً لرؤية قانون فرنسي جديد معادٍ للمسلمين. («سويسرا، انتصار لرهاب الإسلام، وهزيمة للمنطق»).

 Alain Gresh

*محمد مراح: فرنسي من أصل جزائري قتل في في آذار ٢٠١٢ سبعة أشخاص، بينهم ٤ أطفال في هجوم على مدرسة يهودية، وبينهم جنديين فرنسيين من أصول جزائرية.

اقرأ للكاتب نفس:

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings