“عالم ليس لنا “في مهرجان سينما الشرق الاوسط

Festivalباريس – الفة قدارة (خاص)

هل يصبح العالم لنا يوما؟ ماهو دور السينما السياسية اليوم في ظل المتغيرات الجيوسياسية والاقليمية التي يعيشها العالم وتحديدا منطقة الشرق  الاوسط؟
اننا لا نغالي اذا اعتبرنا ان السينما تلعب دورا هاما في كسر جدار الصمت من خلال تسليط الضوء على ما يرتكب من عنف سياسي واستبداد ومن خلال تصوير الواقع الاجتماعي والانساني دون تجميل او تبرير.
وايمانا بهذا الدورتنظم في باريس ” تظاهرة سينما الشرق الاوسط” تحت عنوان مالذي تفعله السينما؟ ويمتد من التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني الى الثامن من شهر كانون الاول . ويستضيف هذا المهرجان الباريسي ، الذي يحتفي بالسينما الوثائقية مخرجين من مصر ولبنان وسوريا وفلسطين وايران وليبيا والعراق.. ويعرض مشاركات متختلفة القاسم المشترك بينها فضاء الشرق الاوسط بثوابته القليلة ومتغيراته الكثيرة خاصة في مرحلة الثورات العربية .
فلسطين كانت حاضرة في افتتاح المهرجان من خلال عرض شريط وثائقي يحمل عنوان عالم ليس لنا للمخرج الفلسطيني الشاب مهدي فليفل.
وانت تشاهد الشريط تعود بك المخيلة الى صور رسمها الشاعر الفلسطيني محمود درويش وهو يقول:

سجل انا عربي

انا اسم بلا لقب
صبور في بلاد كل ما فيها
يعيش بقوة الغضب
جذوري قبل ميلاد الزمان رست
صبور في بلاد كل ما فيها يعيش بفورة الغضب
انها رحلة البحث عن الهوية التي تلازم الفلسطيني في مخيمات الشتات . بل انها تلازم اللاجئين في كل مكان طالما انهم هجٌروا قسرا من اراضيهم.
filmمهدي فليفل واحد من هؤلاء ، وتحديدا هو من الجيل الثالث لعائلة  لجأت الى مخيم عين الحلوة بلبنان بعد النكبة. هذا السينمائي اختار الكاميرا يافعاً، لتكون العين التي يبصر بها هو وغيره من المشاهدين .. انها رحلته هو في البحث عن هويته وهو الذي تنقل من دبي الى الدانمارك الى انجلترا الى عين الحلوة وفلسطين.
التقيته بعد عرض شريطه في باريس ، وحاولت احراجه باسئلة اثارتني عند مشاهدة الشريط.
-كيف كانت بداية فكرة الشريط؟
-كان والدي مولعا بتصوير اهم ما يقع في حياتنا اليومية من احداث وكنت لا انفك اراقبه، لعله قدر الفلسطيني الذي يجبر على حياة الاغتراب والتنقل مع المحافظة على صلته بالاهل والعائلة .
تلك كانت نقطة الانطلاق ، اعتمدت على بعض ما صوره ابي بكاميرته الشخصية ، ثم انطلقت في عملية تصوير ذاتي لاحداث عايشتها من خلال زياراتي لمخيم عين الحلوة . هذا المخيم كنت اعتبره افضل من مدينة الالعاب الشهيرة ديزناي لاند ، وبمجرد الوصول الى عالمي المفضل، ابدا عملية تصوير الحياة اليومية لاهل المخيم .
هكذا تخمرت في ذهني فيما بعد فكرة الشريط شيئا فشيئا ، وصرت اركز على شخصيات معينة مثل جدي والخال سعيد وصديق الطفولة ابي اياد.
-هل كانت هذه المشاهد تخضع لتحضير مسبق او اعداد نفسي لمن تصورهم وتسجل تفاصيل حياتهم ؟
– ابدا ، كانت المشاهد عفوية والدليل روح الدعابة في الشريط فجدي كان في بعض الاحيان يمتعض من استفزاز الكاميرا له وهو غاضب مثلا من صبية الحي.الواقع في عين الحلوة نقِل دون تجميل ولا اضافة ، وهنا تكمن الطبيعة التوثيقية لمعاناة اهل المخيم الذين يعيشون في مساحة جغرافية محدودة ولا يملكون حريتهم في تقرير مصيرهم ، بالاضافة الى ما يواجهونهه يوميا من مشاكل اجتماعية وانسانية وبيئية ..( فقر، بطالة، ازدحام، غياب المرافق، …)
– ابو اياد شخصية تم التركيز عليها ، هل ان مثل هذه الشخصية تمثل مخيم عين الحلوة احسن تمثيل مثلا؟
– ابو اياد شخصية موجودة في كل مخيمات العالم  وفي الاحياء الفقيرة المهمشة المحيطة حتى ببلدان لا وجود فيهالمخيمات اللجوء. اعتبره مثالا للشاب الذي تبخرت احلامه واماله في الخلاص الى درجة فقدانه للثقة في مفاهيم تكررت على مسامعه مثل الثورات والوطن وحق العودة …
-ماذا اضاف الشريط لابي اياد الذي كان يحلم بالخروج من مخيم عين الحلوة؟
– لا بد من التاكيد على ان معاناة ابي اياد ليست معاناة فردية ، انها معاناة جيل باكمله لم يعرف فلسطين الا من خلال الصور وذكريات الاباء والاجداد. المسالة المهمة المطروحة من خلال الشريط هي مسالة الهوية ، فالانسان يولد عادة حاملا لهوية اما الفلسطيني فهو طيلة حياته مضطر لاثبات هذه الهوية حيثما ذهب . انه ممزق بين ارض مسلوبة وواقع مخيف في المخيم ومستقبل غامض . ويبدو ان هذا الالم الذي يصاحب شباب المخيمات هو ما دفع ابو اياد الى المغامرة والبحث عن ارض تعيد له انسانيته المفقودة في مخيم تنعدم فيه  سبل الحياة الكريمة،فهو اشبه بسجن كبير تحيط به حواجز التفتيش من كل جانب .ابو اياد بعد ان غامر بحياته واجتاز حدود لبنان تم ترحيله بعد ان قبض عليه، لكنه تقدم بطلب لجوء الى برلين وهو يقيم هناك الان.
– ايهما اكثر انسانية بالنسبة اليك ، الحياة في المخيم ام تحت ظل الاحتلال؟
– لا احد يقبل الاحتلال لكن كلنا امل على ان تتغير اوضاع المخيمات بسن قانون ينظم الحياة في المخيمات ، ويضمن للانسان ان يكون انسانا حرا بغض النظر عن اصله او انتمائه او جذوره. جدي مثلا يحلم الى اليوم بحقه في العودة بل ان فسطين بالنسبة اليه الحلم والغاية على حد السواء.
-زرت فلسطين في اطار تبادل ثقافي ، ولكن زرتها مع مجموعة من الطلبة اليهود ، بماذا احسست؟
– انتابتني مشاعر غريبة ، فجذوري هنا وحنيني كان دوما الى العودة الى مخيم عين الحلوة .. كنت صغيرا ولم استطع فهم حقيقة  كل ما عشته في تلك الاثناء . لكن الاكيد اني احمل حلما مثاليا رائعا اسمه فلسطين.
– ماذا يمثل لك مخيم عين الحلوة؟
– فلسطين ارضي والمخيم وطني الذي سكنت فيه وسكنني. لكن عندما اتخيل ان مصيري كان يمكن ان يكون مثل مصير خالي سعيد او مصير ابي اياد، اتساءل ماذا يمكن لمن نجا بنفسه من حصار المخيم ان يقدم لاهله هناك وللعالم ؟
ويزيد اصراري على ايصال هذا الشريط لاكبر عدد من الدول العربية لا سيما لبنان وكذلك للدول الغربية علٌ الصورة تصل وتطرح قضية اللاجئين بجدية.
– الا ترى ان وضع اللاجئين السوريين قريب الى وضع اللاجئين في مخيم عين الحلوة ؟
– المأساة تتكرر ، وعين الحلوة او الزعتري  كلها اماكن تحي المعاناة في منطقة الشرق الاوسط.
-الشريط حاز على جوائز هامة فماذا تنتظر من مطة باريس؟
-عرض الشريط في دول عديدة ونال عدة جوائز في برلين وابوظبي والجزائروالاجنتين ومونيخ وبلجيكيا و براغ …..ولكن المرور الى فرنسا هام بالنسبة لي فالاحتكاك بالتجارب السينمائية هنا مفيد للمخرج كما ان وجود جالية عربية كبيرة يساهم في ترسيخ احد اهداف الشريط وهو التعرف عن قرب على مشاغل اللاجئ في المخيمات.
ودعت ضيفي وانا اقول في نفسي، هل كان غسان كنفاني “عندما كتب عالم ليس لنا “على وعي تام بان العالم لن يكون لنا ولو بعد سنوات كثيرة ؟
وهل كان  يعرف مسبقا ان احساس اللاجئ بان العالم قد صدٌ آذانه عن الاستماع اليه  احساس لن يؤثر فيه تطور او حداثة؟ ومتى يصبح العالم لنا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *