الرئيسية » خاص «برس - نت» »

إيران في دائرة استهدافات مُتعددة

معمر عطوي- خاص
من الطبيعي أن تكون إيران خلال هذه الأيام في ذروة الشعور بالاستهداف، حيث يستعر الجدل داخل دول القرار في الكيان الاسرائيلي حول جدوى ضربة استباقية للمفاعلات النووية الإيرانية لتحجيم عملها ومنعها من الوصول الى انتاج قنبلة ذرية، بالتزامن مع عقوبات دولية شديدة طالت النفط والمصارف في الجمهورية الإسلامية، وتركت آثارها «المُشلّة» على حركة الاقتصاد بمجمله في البلاد.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه الى شن الأميركيين والاسرائيليين (كما تتهمهم طهران) حرباً «سيبيرية» الكترونية طاولت منظومات معلوماتية تتعلق بمفاعلات نووية ومواقع عسكرية وإدارات رسمية. كل هذا أتى بعد عمليات أمنية عديدة نفذها «أعداء النظام» الاسلامي خلال السنوات الأخيرة طاولت علماء نووين كبار.

النقطة الأبرز التي تجعل هذه الجمهوريّة غير المُتصالحة مع الغرب منذ نجاح ثوراتها الاسلامية في العام 1979، هو الأزمة السوريّة وما تركته من أثار مُرهِقة مادياً وسياسياً ومعنوياً، ليس فقط على إيران، بل أيضاً على حلفائها في لبنان والمنطقة.

لذا لم يكن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، مخطئاً حين اتهم هذا الأسبوع (2تشرين الأول 2012) الدول الغربية بشن “حرب” اقتصادية على بلاده على المستوى العالمي بهدف إخضاعها.
لكن نجاد الذي لا يزال يشرب حليب السباع حين يتحدث عن التحديات الدولية، اعترف بأن العقوبات على صادرات النفط حرمت الخزينة الايرانية جزءاً كبيراً من العملات الصعبة.

طبعاً لم تكن الأمور في الفترة الأخيرة مُطمئنة، خصوصاً بعدما تحوّل الوضع الاقتصادي المُزري من تذمر شعبي محدود في البيوت وأماكن العمل الى نشاط احتجاجي في الشارع، دفع وزير الخارجية الاسرائيلي لوصفه بأنه اشارة على اقتراب حلول «الربيع الفارسي» في الجمهورية الاسلامية، على غرار الربيع العربي.

ليس هناك أدنى شك أن العقوبات على المبادلات المالية وتصدير النفط، قد زادت من عمق الأزمة الاقتصادية في البلاد، بيد أن سياسة الرئيس الإيراني التي تتعرض دائماً للنقد من أعضاء في البرلمان ومسؤولين سياسيين وروحيين كبار، تتحمّل جزءاً من الأزمة الحاصلة، خصوصاً اذا ما استعدنا تصريح رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، الذي انتقد هذا الاسبوع أيضاً أداء الحكومة الاقتصادي. فما تعيشه البلاد من تضخم وغلاء أسعار وبطالة، هو نتيجة حصار على شكل كماشة، الطرف الأول منها دولي، والثاني محلي بامتياز.

أما نووياً، فإذا ما تتبع المُراقب جولات التفاوض العديدة التي حدثت بين الوفد النووي الإيراني برئاسة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي جليلي، ومجموعة  «5+1» التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، ممثلة بوزيرة الخارجية كاثرين أشتون، لاكتشف كم هي هذه المفاوضات مضيعة للوقت ولم تؤتي أكلها بعد. فبالتزامن مع هذه المفاوضات المًعقدة التي عُقدت آخر جولة منها في اسطنبول، كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تُصدر قرارها الأخير الذي لم يختلف عن سوالفه من قرارات، لجهة الحديث عن زيادة في عدد أجهزة الطرد المركزي في مفاعلات ناتانز وفوردو، وشكوك حول تنظيف آثار لتجارب نووية يُشتبه بأنها عسكرية في موقع بارشين قرب طهران.
إضافة الى اتهام طهران بعدم التعاون مع المفتشين الدوليين وتمكنهم من دخول الأماكن المُشتبه بإقامة تجارب نووية فيها، أو رفع نسبة تخصيب اليورانيوم الى مستويات قد تؤهّلها لحيازة قنبلة ذريّة.

وفي ظل خلاف حاد بين الإدارتين الأميركية والاسرائيلية حول جدوى توجيه ضربة عسكريّة لبرنامج إيران النووي، قبل حصول الانتخابات الرئاسية الأميركية، يبدو أن المعركة الآن هي معركة الاقتصاد التي يحاول من خلالها أعداء إيران تفكيك بنية النظام من داخل المجتمع نفسه.
فبعد رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما مجاراة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، في شن حرب استباقية على ايران هذا العام، وفي عدم تحديد خط أحمر لوضع حد لتهديد البرنامج النووي لهذا البلاد، بدا أن الاتجاه الحالي يسير نحو تشديد الحصار الاقتصادي وتفعيل المواجهات بين التيارات الإيرانية المُتخاصمة، سيما أن الملف السوري يبدو أنه يحتاج الى وقت طويل لحسمه.

فليس صدفة أن تتصاعد الاحتجاجات في بازارات طهران وتصل الى اشتباكات مع رجال الشرطة(3-تشرين الاول 2012) عشية تصريح ليبرمان المُبشّر بربيع فارسي، والمُتزامنه مع انتقادات واسعة من الدول الكبرى ومنظمات حقوقية لوضع الصحافيين الايرانيين الذين يتعرضون للاحتجاز والملاحقة بسبب آرائهم السياسية المُعارضة للنظام.

فالحرب الاقتصادية توضّحت فصولها أخيراً مع هبوط سعر الريال الإيراني إلى أدنى مستوياته أمام الدولار الأميركي، حيث بلغ سعر العملة الايرانية 35 الفاً و500 ريال للدولار الواحد.

وفي غضون عام واحد،خسرت العملة الايرانية أكثر من 80 في المئة من قيمتها.

في أي حال، يبدو أن طهران تعيش الآن مواقف حرجة على الصعيد الدولي، تعززها شروخ على الصعيد المحلي بعد احتجاز فايزة هاشمي بنت رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام اكبر هاشمي رفسنجاني، وشقيقها مهدي هاشمي، لأسباب سياسية، وفي ظل مكوث المستشار الاعلامي لنجاد، رئيس وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الايرانية، علي اكبر جوانفكر، في السجن لمدة ستة شهور  بتهمة سب المرشد الأعلى علي خامنئي، بما يؤكد استفحال الخلافات بين المعسكرات المُتنافسة داخياً قبل أقل من سنة من موعد الانتخابات الرئاسية.

المُفارقة أن النظام لا يزال يستخدم لغة التهديد والوعيد تارة بإقفال مضيق هرمز وطوراً بشن حرب استباقية على إسرائيل وقواعد أميركا في الخليج، ولا يزال يحرص على عدم سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، بينما هو يتعرّض لأقصى هجمات كانت آخرها هجمة الكترونية أعلن عنها أمين المجلس الأعلى للفضاء الالكتروني في البلاد مهدي اخوان بهابادي، بقوله: “تعرضنا أمس (الثلاثاء) لهجوم مُكثّف على البنية التحتية وشركات الاتصالات في البلاد مما أجبرنا على الحد من الانترنت» بما يذكّر بهجمة فيروس «ستكسنت» الالكتروني عام 2010 على منظومات الكترونية تتعلق بمفاعلات نووية.
أمام هذه الهجمة متعددة الجوانب، تستقوي طهران بحلفائها من حركة عدم الانحياز الذين ساهموا في إنجاح مؤتمرها السنوي في طهران الشهر الماضي، وجعله بمثابة معسكر مواجه للمعسكر الغربي، لكن ليس بكل أعضاء الحركة، إنما بمن بقي منها مؤمناً بأن سياسة الانعزال قد تكون مجدية في عالم متعدد الأقطاب. كما أن سياسة التهديد لا تزال ملح الطبق السياسي الايراني، فهي لا تتأخر حتى في أشد الأوقات التي تعيشها عن عرض عضلاتها من خلال مناورات عسكرية في مياه الخليج أو من خلال عرض معدات عسكرية ووسائل قتالية جديدة من صنعها.
وقد يندرج في هذا السياق، تهديد نائب رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان الايراني
منصور حقيقت بور، بأن بلاده قد تسعى الى زيادة نسبة  تخصيب اليورانيوم الى مستوى 60 في المئة لتوفير الوقود للغواصات النووية، فيما يتخوف المجتمع الدولي من توصل الايرانيّين إلى التخصيب بدرجة 95 في المئة الصالحة لإنتاج قنبلة ذريّة قد تكون الوسيلة الوحيدة لخروج إيران من دائرة الاستهدافات المُتعددة.

اقرأ للكاتب نفس:

تعليق واحد

  1. Mustafa:

    عجبا كل هذا يحصل في ايران والكثيرون لا يشعرون به ولكني اقول لهذا الكاتب واظن بانه يعرف تماما بان هذا البلد وهذا الشعب يعيش بروحية الثوره والثورة هذه هي اسلاميه ايمانية (…) لقد مرت ايران الاسلام ومنذ تاسيسها بحروب وحصارات(…) فلم يزيدها كل ذالك الا قوة وثباتا

    تاريخ نشر التعليق: 2012/10/28

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active
    PHPSESSID

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings